ابن دمشق.. الفنان المعلم ممدوح قشلان تلميذ المعلمين الرواد والأساتذة الأوائل
تشرين- سامر الشغري:
تتمثل أهمية تجربة الفنان الراحل ممدوح قشلان في أنه كان تلميذاُ نجيباً لرواد وضعوا المداميك الأولى للتشكيل في سورية، أمثال عبد العزيز نشواتي ومحمود جلال وميشيل كرشة، كما كان في عداد الدفعة الأولى التي درست الفنون الجميلة في الغرب، وقبل كل ذلك انتماؤه لدمشق وتجليات ذلك في لوحاته، فوصفها بأنها المدينة التي عاشت في دمه ومنحته كل شيء، وقال أنه أحب دمشق وأحب أن يراها الناس من خلالي.. قشلان الذي ولد في حي القنوات الدمشقي عام 1929 لأسرة محافظة، أولع وهو ما يزال طفلاً بالرسم الذي بدأ عنده كما وصفها بالخربشات على الدفاتر والكتب وتحول عنده إلى ما يشبه الهاجس، ما سبب له تأنيب بعض المدرسين.
بعد نيله للشهادة الإعدادية انتسب لمعهد دار المعلمين /مدرسة التطبيقات المسلكية حالياً/ سنة 1947، وهنالك تتلمذ على يدي معلم الرسم في المعهد الفنان الراحل محمود جلال، حيث لفتت رسوماته انتباه جلال ودعاه إلى زيارة منزله لتتشكل عنده بداية الدهشة التي ظلت تغمره طوال سني حياته، وظل قشلان حتى عندما بلغ من العمر عتياً أنه يدين لجلال بالفضل في كل ما وصل اليه.
أول ظهور فني لقشلان كان سنة 1951، عندما شارك في المعرض السنوي الثاني لفناني سورية الذي كانت تنظمه وزارة المعارف، وكانت تلك المشاركة نقلة نوعية لفنان شاب وقف بأعماله نداً لفنانين يسبقونه بالتجربة أمثال ناظم الجعفري وجاك وردة وفاتح المدرس ومحمود جلال ونصير شورى ورشاد قصيباتي والفرد بخاش.. وفي سنة 1953 عندما قررت وزارة المعارف /التربية حالياً/ إرسال طلاب لدراسة الفنون في إيطاليا، كان قشلان وزميله الفنان الكبير محمود حماد في عداد هذه البعثة، حيث درس في قسم التصوير بأكاديمية الفنون الجميلة في روما وتخرج منها عام 1957، كما انتسب إلى معهد سان جاكومو فحاز في نفس الفترة على دبلوم بفن الحفر والغرافيك.
وتأثر قشلان لدى دراسته بإيطاليا بفناني ما قبل عصر النهضة، أمثال بييرو ديلا فرانشيسكا، ودرس أيضاً لوحات الفنان الفرنسي بول غوغان ولاسيما تلك التي تنتمي لمرحلة تاهيتي، حيث التماهي التام مع الشمس وحرارتها والاحتفاء بالألوان الحارة، ونقل بعض لوحاته تصويراً وحفراً وضمنها أطروحته نال عليها امتيازاً.
ومنذ تلك الفترة مزج قشلان بين تأثره بفن الغرب ومدارسه ونظرته الخاصة الجدية إلى الفن والبيئة المحافظة التي نشأ بها، ما حدا بباحث وناقد كبير هو عفيف بهنسي أن يصف نتاجه بفن ارتضى الشرق والغرب في آن واحد.
بعد أن عاد قشلان أقام أول معرض فردي له سنة 1958 في متحف دمشق الوطني، عرض فيه نتاجه الذي صنعه إبان دراسته في إيطاليا، عماده أعمال صنعها بأسلوبي الحفر والرسم على السيراميك، مقدماً نفسه كأحد الحفارين القادمين بقوة، وظل هذا التنوع سمة بارزة في تجربته وقلما ما أقام معرضاً لم يقدم فيه أعمالاً في الرسم والحفر.. أسلوبه الفريد في الرسم وتقديمه دمشق كما يراها وإصراره على نشر الدفء والحب عبر لوحاته، جعل شهرته تذيع في أرجاء العالم فأقام حوالي 80 معرضاً في سورية وخارجها، وسارعت متاحف عربية وأجنبية لاقتناء لوحاته، وأشاد بتجربته نقاد أوروبيون كالإسباني كارلوس سانتي الذي وصفه بابن البحر الأبيض المتوسط والإيطالي أنطونيو دو بونيس الذي استوقفه مجموعته اللونية الغنية جداً وتوافقها مع الذوق الشعبي الحر.
النجاح الآخر الذي حققه قشلان تمثل في عمله التعليمي والإداري، فالراحل كان أستاذاً في الفن بأكاديمية ليوناردو دافنشي بالقاهرة، وأستاذ شرف من أكاديمية الفنون الجميلة في نورمانا للفنون بصقلية، كما عمل مفتشاً أول للتربية الفنية في وزارة التربية /1967 ـ 1988/، وأسس متحف الفنون المدرسية في دمشق سنة 1968.. موهبة قشلان الإبداعية تجلت أيضاً في البحث والنقد فكان يكتب الزوايا الفنية للصحف والمجلات، وألف كتباً عديدة عن فنانين سوريين كبار /لؤي كيالي ومحمود جلال/، فضلاّ عن مؤلفاته التعليمية ليتجاوز بذلك عدد الكتب التي تركها 17.
ومن حسن الحظ أن قشلان كتب بنفسه سيرة حياته الذاتية، موثقاً حياة فنان عايش ستة عقود من عمر التشكيل في سورية، فكان كتاب /رسالة لونية من الشرق إلى الغرب ممدوح قشلان مسيرة إبداع/ الذي صدر إبان احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، مزود بعشرات عن معارضه في مصر وإيطاليا وبلغاريا وألمانيا وفنلندا وفرنسا وغيرها، وكل ما كتب عنه من حوارات صحفية وقراءات نقدية سورية وعربية وأجنبية.