محمد عضيمة.. أشد بياضاً من كراكي طوكيو!
تشرين- زيد قطريب:
تظهر الأسلوبية كناطق رسمي للذات الشاعرة، رغم همومها الاجتماعية، فهي تنبش عميقاً في نفوس أصحابها، رغم ما يحكى عن انفصال النص عن المؤلف بعد الكتابة. في كتابه الجديد “أشد بياضاً من البياض.. كراكي طوكيو البيضاء” الصادر حديثاً عن دار التكوين بدمشق، يدأب الشاعر محمد عضيمة على طرق أبواب الواقعية والاختزال في الكتابة، فهو مشغول بالتكثيف ووضع الإصبع على المشاعر من دون زوائد تضرّ بالمعنى، وتلك مسألة تظهر حتى في العناوين “أشد بياضاً..” وقبله “لا.. لا لن أعود للبيت” و”أصل بعد قليل” فمحمد من سدنة البساطة والواقعية، رغم سنيَّه الطوال في المغترب الياباني، فهو مازال يقتفي أثر العبارات غير الخاضعة للتأويل، فيما يمكن أن نسميه دهشة تصوير الواقع بلا معدات تجميل، وانشغالاً دائماً بفحوى المعاني المجردة من الأغماد.
يشاء عضيمة، إنزال القصائد عن المنابر، وعدم الرهان على الغنائية التي استهلكت الشعر ونمّطته طوال تاريخ طويل، فيبدأ بنص “لا شيء يتفوق على عبقرية الوضوح” في إشارة إلى مزاجه الأسلوبي الذي فضّله دائماً في تجربته، فالمعنى ناتج ما يحمله الكلام لا أقل ولا أكثر، وتلك شعرية ذكية تتطلب مهارة في الالتقاط وجرأة في مقارعة مفضلي الدلالات والألغاز في العبارات: “ولد شاطر.. وشقيّ ومطيع.. لكنه فقط شاطر وشقيّ ومطيع”.
سواءً سمينا قصائد محمد عضيمة بالهايكو، أم بالنصوص القصيرة، فهي تصبّ في النهج الذي ارتضاه في إقصاء الحواشي، فهي أسلوبية ليست دخيلة على الكتابة العربية النثرية والشعرية، رغم شهرة المعلقات منذ العصر الجاهلي وحتى اليوم، وربما ما يساعد التشذيب وشحذ النصوص حتى تبدو كالأسنة، هو طبيعة العصر غير المحتمل للإعياء في الكتابة والقراءة. فمحمد لا يختار من جعبة القناص إلّا سهماً يصيب كبد المعنى، فلا تغريه السهام الخلبية التي تأتي نوعاً من الاستعراض.
يقول عضيمة في نهاية كتابه: “إياكم والشعر، لأنه وبكلمة واحدة، كلمة ع الطاير، مضيعة للوقت، ومزبلة العواطف…”.
في الكتاب أسلوبية غير متوقعة يقصدها الشاعر المحكوم بخصوصيته ورؤيته النقدية المرتكزة ليس فقط، إلى أن خيرَّ الكلام ما قلّ ودل، بل أيضاً إن أمضى المعانى هي المعاني اللامعة والواضحة مثل الحسام!.