رحيل أيقونة ترميم الأيقونات “الياس الزيّات”
نضال بشارة
يُعدّ الفنان الراحل الياس الزيّات (1935 -2022) أحد الفنانين الذين شكلوا ذاكرتنا البصرية بلوحاته وشغفه الفني، شاهدنا لوحاته عبر الصحف والمجلات والتقارير التلفزيونية عن معارضه قبل أن نشاهد أعماله في ما تيسر لنا مشاهدته من معارضه التي قدّم من خلالها حواراته البصرية وذخيرته المعرفية المتعددة المناهل.
ولكي نعرف المهاد الأكاديمي الذي جاء منه إبداع الفنان الراحل نقرأ في الكتيب الذي أعدّه بعنوان (شيءٌ من مَسرى الذكريات).. وتبقى الجديّة الأكاديمية في الرسم والتصوير أهم ما تعلمته في بلغاريا وأتقنت تقنيتيهما ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. كما درست في بلغاريا تاريخ الفن والعمارة بتعمق، ومن هنا جاءت معرفتي بالأيقونة البيزنطية والروسية والبلغارية، فنظام التدريس العلماني في ذاك البلد لم يغفل الحض على دراسة تاريخ الفنون الكنسية لكونها تشكّل جزءاً هاماً من تراث الإنسان البلغاري. يبقى أن أقول إنني تابعت هناك دراسة مقرر الماركسية لغير المتخصصين على الرغم من أنني كطالب أجنبي مقيم في بلغاريا كنت معفى من تلك المتابعة، فمزيد من الاطلاع ما ظننته إلّا كان مفيداً.
وكان معهد METHODS في حمص قد اختار عام 2009 افتتاح نشاط مركزه بمعرض “استعادة- مجموعة خاصة” للفنان الراحل الياس الزيّات، وهو معرض تكريمي لتجربته المديدة في الفن، ضم المعرض أكثر من ثلاثين لوحة تعود أقدمها بعنوان “منظر من الغوطة” منفذة بتقنية زيت على كرتون إلى العام 1956 وأحدثها بعنوان “التطواف” منفذة بتقنية مائية على الورق للعام الجاري، وانتمت اللوحات إلى سطوح متعددة القياس كما تعددت تقنيات وأساليب تنفيذها.
يذكر أن الفنان الزيّات مواليد دمشق العام (1935) وهو من رواد الفن السوري المعاصر، درس فن التصوير الزيتي في بلغاريا ومصر، وتخصّص في ترميم الأيقونات واللوحات في أكاديمية الفنون الجميلة في بودابست (المجر)، شارك في تأسيس كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق وقام بالتدريس فيها منذ العام 1962 وحصل على مرتبة أستاذ فيها عام 1980، وخلال الفترة التي قضاها في الكلية والتي تقارب أربعين سنة، شغل خلالها منصب رئيس قسم التصوير (1970– 1980) ثم منصب وكيل الكلية للشؤون العلمية (1998– 2000).
وشارك الزيّات في وضع المناهج النظرية والعملية والبرامج الدرسية، وقام بتعليم مقررات الرسم والتصوير وتقنيات التصوير، كما وضع مقرراً نظرياً تجسد كتاباً في “تقنية التصوير ومواده”، أعيد طبعه ثلاث مرات كان أولها العام 1981.
أقام الفنان الزيّات معارض عديدة جسدّت رؤيته التشكيلية، وكان معرضه “ما بعد الطوفان” الذي أقامه في دبي من وحي “نبي جبران” من المعارض اللافتة للنظر، فجاءت لوحاته فيه تجسّد حوارية إبداعية بين ألوان الزيات ومقولات جبران، أنتجت تجليات شعرية متنوعة، شواغلها فلسفة الإنسان والحياة والوجود.
وتفيد لوحة نشاط الراحل الزيات أنه مثّل جامعة دمشق في اتفاقية التعاون مع جامعة “لايدن” الهولندية لدراسة الفن في سورية في الحقبتين البيزنطية والإسلامية وذلك لمدة أربع سنوات، ونتيجة ذلك أصدر كتاباً في “لايدن” عام 2000 باللغتين العربية والإنكليزية وعمل خبيراً في هيئة الموسوعة العربية في سورية لتحقيق موضوعات العمارة والفنون منذ عام 1995-2001. وكان عضواً في مجلس إدارة احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008 كمسؤول عن معارض الفن التشكيلي.