فلسطينيون في الحراك الفني السوري.. بسام لطفي أنموذجاً
سامر الشغري:
لطالما رفد الفنانون الفلسطينيون الحراك الفني السوري، بشتى المواهب في التمثيل والكتابة والإخراج، فهؤلاء المبدعون الذين هجّرهم الاحتلال عن أرضهم ونزحوا إلى سورية، واصلوا شغفهم في البلد الذي احتضنهم وأفسح لهم المجال بالعمل ليسطع نجمهم ومن ثم كانوا إحدى دعائم النهضة الفنية.
من بين هؤلاء سوف نلتقي بالفنان الرائد عبد الوهاب أبو السعود، نهاد قلعي، والمخرج المسرحي هاني صنوبر الذي ساهم بتأسيس المسرح القومي السوري، ويعقوب أبو غزالة الذي عمل مع القاص الشعبي حكمت محسن، والفنانين القديرين عبد الرحمن أبو القاسم وأديب قدورة ومحمد صالحية وتيسير إدريس وحسن عويتي وهاني السعدي الذي نبغ كاتباً، وعائلة حنا بدءاً من عرّابهم يوسف والكاتبتين ريم وأمل والممثل والمخرج رامي فضلاً عن نجوم معاصرين.
في وسط هذه القائمة يشمخ اسم الراحل بسام لطفي واسمه الحقيقي بسام لطفي سليمان أبو غزالة، الذي مكنه جده واجتهاده ودأبه ليكون صاحب البصمة الأهم لأبناء الأرض المحتلة في فن التمثيل السوري المعاصر.
بسام الذي ولد سنة 1940 في بلدة طولكرم الفلسطينية لأب يعمل في سلك التدريس ولأم دمشقية، عاش في ذاكرته كيف كانت والدته تطهو لجنود جيش الإنقاذ الذي واجه عصابات الاحتلال في حرب النكبة، ونزوحه وأسرته إلى دمشق على أمل العودة القريبة، فحمل هذه الذكريات طوال سنوات عمره، وأعطته تلك الاندفاعة القوية باتجاه القضية الفلسطينية.. فعمل في كثير من الأعمال التي تناولتها سورياً وعربياً، واستعاد شخصية ابن البلد الذي يقاوم الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني في (التغريبة الفلسطينية) من خلال أدائه لدور أبو ماهر.
وفي دمشق انجذب المراهق بسام إلى المسرح لدرجة أنه جعله يترك دراسته وهو على مشارف نيل الشهادة الثانوية، وعمل مع فرق هواة واشترك بعروض بالمركز الثقافي في أبو رمانة وفي عرض ثانٍ عن الثورة الجزائرية بمعهد اللاييك /باسل الأسد حالياً/ سنة 1957.
وكان بسام من أوائل الفنانين الشباب الذين عملوا مع المسرح القومي لدى تأسيسه سنة 1959، وساهم مع جيل من الممثلين أمثال أسامة الروماني ورياض نحاس وأميمة الطاهر، ليكون هذا المسرح رائداً للحراك الفني على المنطقة بأسرها، فضلاً عن كونه من مؤسسي المسرحين العسكري والوطني الفلسطيني.
وعند تأسيس التلفزيون العربي السوري اشترك في تمثيلية الغريب أول عمل درامي سوري أنتجه التلفزيون، والتي أخرجها الراحل سليم قطايا وتناولت الثورة الجزائرية وبطولاتها.
ومن بعدها تتالت أعماله ولاسيما في الدراما الاجتماعية والتاريخية فوصلت إلى نحو 60 عملاً، ولكن كان يفتخر بتجسيده شخصية المناضل عبد الرحمن الشهبندر أول وزير خارجية سوري في الجزء الثاني من إخوة التراب إنتاج سنة 1998.
وفي الفن السابع أيضاً كان بسام من الفنانين الرواد الذين عملوا فيه لدى تأسيسه، بداية مع فيلم (زهرة في المدينة) إخراج محمد شاهين إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وفيلم (المخدوعون) إخراج المصري توفيق صالح والذي حلّ في المركز العاشر ضمن أفضل فيلم عربي، ولعب فيه دور أحد الشبان الفلسطينيين الثلاثة الذين يختبئون داخل صهريج للسفر إلى الخليج ويلقون بداخله حتفهم.
لقد أظهر هذا الدور الاستثنائي فناناً يستطيع ببراعة وعفوية، وباستخدام تعابير وجهه ونبرة صوته تجسيد دور الإنسان المقهور.. بعد نكسة حزيران 1967 شارك بسام في أعمال فنية لدعم المجهود الحربي، وعندما أرادت الدولة مكافأة الفنانين الذين قدموا هذه الأعمال، طلبوا مكافآتهم بتشكيل نقابة ينضوي فيها جميع الفنانين في سورية، وحمل بسام البطاقة رقم /1/ في عضوية النقابة الوليدة سنة 1968.
وفي الدراما الإذاعية كان بسام أحد مؤسسيها ونجومها، منذ الستينيات وحتى قبل وفاته بأسابيع، ومن الأعمال الشهيرة التي شارك بها حكم العدالة وقصة في تمثيلية ومحكمة الضمير وعالم المسرح، حيث قدم أداء خلاقاً استخدم صوته لتجسيد حالة درامية يتخيلها المشاهد.
بسام الذي اعتاده المشاهدون أن يؤدي شخصية الشاب الوسيم في عقدي الستينيات والسبعينيات تحول في الثمانينيات إلى تجسيد شخصية الرجل المكافح والإنسان البسيط، حتى باتت سمة طبعت أغلب أعماله لذلك عندما جسّد دور (أبو زهير النايحة) في (بطل من هذا الزمان) سنة 1999 فاجأ الكثيرين، لقد كان هذا العمل أول دور كوميدي له فتولى هو رسم معالم شخصية هذا الرجل المزواج ومفاتيحها.
من أجل كل ذلك استحق لقب عميد الدراما السورية بكل جدارة، وكان هو يفخر بالوقت نفسه بأنه جزء منها، لأنها كما وصفها صاحبة قضية والوحيدة عربياً التي كرست الكثير من نتاجاتها طوال عقود لمعاناة الشعب الفلسطيني، وهذا ليس غريباً على فنان عمل بمهنته بإخلاص ووجدها خير وسيلة ليقول فيها رسالته.