تكاليف الزراعة كابوس العام القادم!

يعد القطاع الزراعي أحد أهم مصادر الدخل القومي في سورية وعنصراً استراتيجياً مهماً من عناصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية، وقد ساعد على تطور القطاع الزراعي توافر الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة ووفرة المياه والمناخ الملائم.

حالياً يواجه الإنتاج الزراعي عامة تزايداً مستمراً في متوسط التكاليف الإنتاجية ، الأمر الذي أضعف قدرة المزارعين على الحصول على أكبر قدر ممكن من الإنتاج بأقل قدر ممكن من التكاليف، وبالتالي أضعف قدرتهم على تحقيق الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية للإنتاج الزراعي عامة وللمحصول والموارد المستخدمة في إنتاجه بشكل خاص ، ومما لاشك فيه أن وضعاً كهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض العائد الاستثماري بشكل كبير، ولقد شهدت الفترة الأخيرة من عام ٢٠١١ وحتى الآن ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار مستلزمات الإنتاج بصفة خاصة والمستوى العام للأسعار بصفة عامة , الأمر الذي كان له بالغ الأثر على كل نواحي الحياة وخاصةً القطاع الزراعي والزراعات التي تحتاج إلى تكاليف إنتاج مرتفعة كالزراعات المحمية.

وتعد الزراعات المحمية وخاصة البندورة في البيوت البلاستيكية من أكثر الزراعات تأثراً بارتفاع الأسعار نظراً لحاجتها لمواد كثيرة مرتفعة الثمن ولكونها تشكل السواد الأعظم من نسبة البيوت البلاستيكية.

ومجرد إلقاء نظرة على التكاليف كفيل بشرح أبعاد الكارثة :

تكلفة النايلون للبيت البلاستيكي الواحد حوالي الـمليون وخمسمئة ألف ليرة, سعر ظرف البذور للبيت البلاستيكي الواحد حوالي 300 ألف ليرة , تكلفة تعقيم البيت البلاستيكي حوالي 200 ألف ليرة , وهناك تكاليف متفرقة بين سقاية ومواد مكافحة ومبيدات وحراثة وما شابه بحوالي 500 ألف ليرة , سعر العبوة الفارغة حوالي 2200 ليرة وأجرة نقل المنتج حوالي 50 ليرة للكيلوغرام الواحد , تكاليف “الكمسيون” حوالي 70 ليرة ,السماد يوريا يباع بالسوق السوداء بحوالي 270 ألف ليرة.

إذاً، تبلغ تكلفة إنتاج الكيلوغرام الواحد حوالي 1250 ليرة من دون تكاليف السقاية التي تعتمد على المازوت في ظل الانقطاع شبه المستمر للتيار الكهربائي. ولم ندخل في حساباتنا عائد رأس المال!

الآن ماذا ينتظر هذا القطاع الاقتصادي المهم ؟ ولطالما شكّلت مواسم الزراعات المحمية عماد الأنشطة الاقتصادية في الساحل السوري من خلال نسبة العاملين فيها ونسبة الأراضي المزروعة وإجمالي الأموال المستثمرة فيها، فعندما تكون المواسم وفيرة تتحرك الدورة الاقتصادية بقوة في مناطق الساحل وتجر معها عجلة الاقتصاد الوطني برمته.

المواسم الحالية شهدت تناقضات رهيبة , المزارعون خلال الموسم الأول باعوا بأسعار مرتفعة مولت زراعة الموسم الثاني وسددت ديونهم المعيشية بشكل حرك الأسواق وانعكس الوضع في الموسم الثاني , فأغلبية الإنتاج بيع بخسارة كبيرة وهذا ينسحب على مواسم الفواكه التي تتحمل تكاليف نقل كبيرة ويحجم المواطنون عن شرائها بسبب صعوبة تخزينها لليوم التالي نتيجة وضع الكهرباء , هذا كله يقود إلى نتائج غير مرغوبة, فأغلبية المزارعين باعوا إنتاجهم بأسعار توازي أو تقل عن سعر التكلفة, وخاصة في الزراعات المحمية وتاليا أغلبية المزارعين وقعوا في عجز مالي وغير قادرين على دفع تكاليف زراعة الموسم القادم نقداً ، كما أن أغلبية الصيدليات الزراعية لن تقوم بتزويد المزارعين بمستلزمات الإنتاج بالدين نظرا لارتفاع حجم الائتمان اللازم وتقلبات أسعار الصرف .

وبالتالي يمكننا توقع خروج حوالي 50% من الإنتاج في الموسم القادم وهذا يرتب نتائج كارثية على الاقتصاد الوطني ككل تتمثل في ارتفاع الأسعار للمزروعات المحمية في العام القادم نتيجة نقص الإنتاج وجمود اقتصادي كبير بسبب انخفاض الطلب الفعال الناجم عن انخفاض دخل المزارعين الذين يشكلون حوالي 33% من إجمالي قوة العمل .

الخسارة لن تقتصر على المزارعين الذين سيعجزون عن تسديد ديون الموسم السابق و ثمن مستلزمات الإنتاج للموسم القادم بل ستنتقل الخسارة للصيدليات الزراعية نتيجة تأجيل قسم كبير جداً من الديون ولن تكون قادرة على تمويل المزارعين وبدورها ستنتقل تأثيرات الخسارة إلى باقي القطاعات بشكل جمود اقتصادي كبير نتيجة انخفاض الطلب الفعال الناجم عن انخفاض دخل المزارعين .

القطاع الزراعي يدق ناقوس الخطر ومعه الأمن الغذائي برمته مهدد برمته.

الحكومة لا تستطيع إجراء تحرك ” عنيف” في أي اتجاه , فمن جهة تريد مصلحة المستهلك المنهك معيشياً بالحفاظ على مستوى سعر معتدل ، ومن جهة ثانية تريد مصلحة المنتج المنهك معيشياً أيضاً بتحقيق سعر يحقق عائداً اقتصادياً مقبولاً له .

وبرأيي لا يمكن تحقيق المصلحة المشتركة لكل الأطراف إلا من خلال قيام الحكومة بإدارة عملية التسويق بشكل يضمن تنظيم عقود تصدير نظامية للخارج تتولى الحكومة توزيعها في أيام محددة , بحيث يتمكن المزارع من تصدير حوالي نصف محصوله بسعر مرتفع وبيع الجزء المتبقي للسوق المحلية بما يحافظ على السعر المعتدل للمستهلك النهائي ، مع إيجاد آليات حقيقية لتخفيض تكاليف الإنتاج والعمل بمبدأ الترخيص للمحاصيل ذات الريعية الاقتصادية .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
سورية وروسيا تحييان الذكرى الثمانين لإقامة علاقتهما الديبلوماسية في أمسية موسيقية بدار الأسد بدمشق الرئيس الأمريكي جو بايدن يتنحى عن الترشح لخوض انتخابات الرئاسة تستهدف ٢٧٣٦٦٤ طفلاً.. انطلاق الحملة الوطنية الشاملة للقاح الأطفال في حماة سورية ترحب بقرار محكمة العدل الدولية المتعلق بالآثار القانونية الناشئة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي في الجلسة الختامية للبرلمان العربي للطفل… الأمين العام يقدم الدروع التذكارية وبطاقة شكر للوفد السوري المشارك مادورو: انتخابات الرئاسة المقبلة ستحدد مستقبل فنزويلا قضية الإعاقة جزء من السياسة الوطنية للدولة تجاه المواطنين.. الوزير المنجد: المرسوم رقم 19يطور البيئة المؤسساتية المسؤولة عن ملف الإعاقة  135 ألف طفل مستهدف بالجولة الثانية لحملة اللقاح في حمص الوزير ابراهيم يبحث مع القائم بالأعمال بالإنابة في السفارة السودانية بدمشق علاقات التعاون العلمي والبحثي إذا كبر ابنك "خاويه" وإن كبر أبوك عليك أن ترعاه