دراما الفانتازيا والهروب من مشكلات العصر
هدى قدور
هربت الدراما في مرحلة ماضية إلى الفانتازيا، وكانت الأحداث التي تتناولها مرتبطة بعصور خرافية لا أحد يستطيع أن يحددها بسبب اجتماع الكثير من العناصر المادية والنفسية فيها، لكن الجمهور تعلق بهذه المسلسلات بسبب قافلة النجوم التي شاركت فيها، ونتيجة القصة الشائقة التي افترضت وجود حبيبين تنشأ بين قبيلتيهما الحروب لكن حبهما لا يتراجع أو يصاب بعدوى الكراهية التي جعلت القوم ينهمكون بحرب طويلة من أجل أشياء كان من الممكن أن تحل بكل بساطة.
الفانتازيا التاريخية كانت مهرباً من مقارعة العناوين الحديثة الإشكالية التي ستسبب جدلاً في الشارع، فالخرافات حلت مكان الواقعية وكان الهدف البحث عن متعة المشاهدة حتى لو كانت الموضوعات وطبيعة الناس المشاركين في العمل تنتمي إلى عصور غير موجودة عملياً في التاريخ، وهذا يشبه حرص الكثير من شركات الإنتاج على تناول موضوعات تعود للعصر الجاهلي، لأن مرحلة ما بعد الإسلام مليئة أيضاً بالخلافات والأحداث التي ستتسبب بالجدل ولن يوافق عليها الجميع، بل سيتهمون المسلسل بالانحياز أو عدم الواقعية أو نبش المشكلات التاريخية بلا مبرر.
من ناحية ثانية تبدو هذه النقطة عبارة عن تأجيل للموضوعات الإشكالية إلى أجل غير مسمى لكنه سيأتي لاحقاً، فما يؤخذ على العرب أنهم لم يناقشوا كل مفاصل تاريخهم بشكل عقلاني وواقعي وظلوا مرتهنين لاعتبارات قبلية وعشائرية ودينية جعلت تناول العقل للمراحل المختلفة من التاريخ أمراً صعباً على الأقل في هذه المرحلة، كما أن شركات الإنتاج الحريصة على الحصول على أكبر كمية من المشاهدة تميل غالباً إلى تلك العناوين القديمة لأن تبعات الموضوعات الحديثة كثيرة ولن ترضي جميع الأطراف مهما حرص صناع العمل على التوازن بين مختلف الأطراف.
تحتاج الدراما إلى عقلانية في التناول وجرأة في طرح الموضوعات، شرط حضور العامل الأخلاقي والعلمي في تناول كل حدث، فالمجتمعات لم تتطور إلا بعد أن وضعت كل القضايا بشكل مجرد على الطاولة وقامت بتفكيكها بشكل هادئ وعقلاني، لذلك يبدو إغراق الدراما في عناوين العصر الجاهلي أو الفانتازيا عبارة عن تأجيل للقضايا التي يفترض إنجازها سواء طال الزمن أم قصر.
لقد حققت الدراما السورية حضوراً كبيراً في الأعمال صاحبة الموضوعات المعاصرة، وكان ذلك دليلا على تعلق الجمهور بالواقعية ومواكبة الحياة اليومية والقضايا الفكرية الراهنة، وبالتالي لا تبدو هذه العملية صعبة أو مستحيلة من ناحية الجمهور، وقد تكون أصعب من ناحية الرقابة التي تفضل عدم الخوض في الإشكاليات لأن الواقع العربي لا ينقصه القضايا الخلافية، لكن كما قلنا إن ذلك لا يعد إلا تأجيلاً لتلك العناوين التي لاشك ستفرض نفسها خلال المراحل القادمة.
الفنون تتحمل مسؤوليات كبرى، ولا تشكل المتعة البصرية إلا جزءاً من بنية العمل الفني سواء كان في إطار الدراما أم الأدب أو الموسيقا وغيرها، لذلك فإن المجتمع يحمل النخب مهام جوهرية حتى لو كانت أكبر من طاقتها.