أنطوانيت نجيب ومقولة ستانيسلافسكي الشهيرة
سامر الشغري
يؤثر عن منظر المسرح الأول في العالم الروسي قسطنطين ستانيسلافسكي قوله “إنه لا توجد أدوار صغيرة بل هنالك ممثلون صغيرون”، وربما كان هذا القول هو المدخل الأفضل لتناول تجربة الفنانة الراحلة أنطوانيت نجيب.
عند استعراض مسيرة نجيب التي رحلت عن عالمنا في 18 آب الحالي، سوف يستوقفنا أنها عبر أكثر من 180 عملا في المسرح والسينما والتلفزيون شاركت فيها على مدى ستة عقود، فإنها لم تحظ بالبطولة أبدا ولا حتى بالدور الثاني لا وهي صبية فاتنة ولا عندما تقدم بها العمر، عكس الكثيرين من أبناء وبنات جيلها الذين كانوا نجوما “صف أول” عندما كانوا شبابا ثم تراجع حضورهم إلى الأدوار الثانوية بعد أن فارقهم الصبا والشباب.
واللافت أيضاً أن أنطوانيت لم تمتنع عن المشاركة في أي دور يعرض عليها، تاريخي أم اجتماعي أم بيئة شامية أم بدوي، والأخير ظهرت فيه مرارا لإتقانها اللهجة البدوية فهي ابنة حوران، لذلك اتسمت أعمالها بالغزارة ولاسيما منذ عقد التسعينيات وهذا يتوافق طبعا مع فورة الإنتاج التي عرفتها الدراما السورية في السنوات الماضية.
من بين كل هذه الأدوار التي قدمتها نجيب، هنالك دور واحد عالق في ذاكرة الجمهور وأكثره لا يحفظ لها غيره، إنه ” نعيمة ” مدبرة منزل (مالك بيك الجوربار) في” الفصول الأربعة” بجزأيه.
أثناء تشييع المخرج الراحل حاتم علي في دمشق 1 كانون الثاني 2021، شاهدت كيف كانت الفنانة أنطوانيت نجيب تبكي عليه بحرارة، ومعها كل الحق فالدور الذي أسندها له في” الفصول الأربعة” لا ينسى، وهو دليل إضافي على مقولة ستانيسلافسكي بأن ليس هنالك دور صغير ودور كبير، وأن الممثل هو من يخفض أو يرفع من أهمية دوره.. ومن بين 16 شخصية رئيسية هم أبناء العائلات الخمس في “الفصول الأربعة”، وأغلبهم ممثلون يحملون صفة النجومية، كان من المفاجئ تماما أن تقف أنطوانيت ندا لهم في حلقات هذا المسلسل بل أن تبزهم في بعضها، خاصة في حلقة” نعيمة مفقودة” بالجزء الأول عندما تقرر أن تختفي لتجعل الباقين يلتفتون لها قليلا، وحلقة ” كذبة أول نيسان ” من الجزء الثاني عندما تظهر لها أخت تؤام لتؤدي هنا أنطوانيت دورين مختلفين في كل شيء لأختين شقيقتين إحداهما مدبرة المنزل نعيمة والثانية “نعمت” العجوز المغتربة والمريضة التي تقرر العودة إلى وطنها لتدفن فيه.
كان سلاح أنطوانيت في” الفصول الأربعة” البساطة وعدم التكلف والواقعية الشديدة، وتجنب الغوص في جوانيات الدور الذي لا يناسب هذا النمط من الأعمال، خذوا مثلا أداءها لدور “فاتن” /سلمى المصري/ عندما طلبت منها مايا /رباب كنعان/ أن تتظاهر بأنها والدتها لتسخر من أحد الخطاب وأمه /إياد أبو الشامات وفاتن شاهين/، لم تشأ أنطوانيت أن تقلد حركات أو تصرفات فاتن المتعالية، بل قدمتها بروح مدبرة المنزل تلك الإنسانة المكافحة والشعبية.. وما ساعد أنطوانيت في أن تبصم عبر هذا الدور ليتحول إلى سابقة في الدراما السورية، أن تتحول خادمة منزل إلى أيقونة فنية عند الجمهور لا تنسى، تلك التركيبة الفريدة التي رسمها الراحل حاتم علي عبر :الفصول الأربعة”، بأن وزع البطولة على فريق العمل برمته وأعطى لكل شخصية حيزا خاصا بها ورسالة خاصة تريد قولها، فخلق أشخاصا من روح ودم نجدهم في حياتنا اليومية، ولكن في إطار حكائي يتغير مع كل حلقة.
لقد صنعت نجيب فرصتها وحفظت اسمها للأجيال، ولكن ذلك لم يكن مصادفة أو ضربة حظ، بل حصيلة تجربة وعمر طويل عندما استطاعت أن تجد ملعبا تقدم عبره أروع ما عندها.