بورتريه جهاد صالح.. في الوجوه شيءٌ من دواخل أصحابها
لبنى شاكر :
يُتقن الرسّام جهاد صالح التعاطي مع لوحة البورتريه كوثيقةٍ تحفظ التفاصيل والجزئيات، وتُظهِر في الوقت نفسه إشاراتٍ وعلاماتٍ تكشف شيئاً من دواخل أصحابها، وهو ما يغفل عنه فنانون يرون في رسم الوجه محاولةً لتقديم نسخةٍ مطابقةٍ للأصل فقط، ربما تغيب عن هؤلاء المهمة الصعبة التي تقوم بها العيون والشفاه تحديداً، في التعبير عن الجسد والفكرة والخيال والرغبة، لهذا يحفظ صالح الوجه المُراد رسمه ويدرسه كما لو كان أحدنا يتفحص وجه الآخر مليّاً، قبل أن يستنهض طاقته كاملةً للعمل، مع إيمانه بأن بعض الوجوه تدعوه لرسمها، وهي ميزة لا تتوفر في جميعها.
بدأ مشوار الرسّام مع البورتريه الاحترافي منذ 12 سنة في لوحةٍ بالفحم رسمها لصديقٍ مُغترب، لكن رحلته مع هذه الطريقة لم تطل حيث انتقل إلى الألوان المائية، وهي كما يصفها في حديثه إلى “تشرين” مرحلةٌ جميلةٌ جداً، تبعتها تجربةٌ في الألوان الزيتية، حققت له نجاحاً وسمعةً طيبة، رافقاه في مختلف الموضوعات التي قدمها، ومنها الحارات الدمشقية والمناظر الطبيعية على اختلاف الحالات والزوايا والتقاط موضع التركيز حسب ما يُمليه خياله أو الحقيقة القائمة. في إحدى لوحاته مزيجٌ بين الجبل والنهر، الأول بنيٌّ وأبيض في آنٍ معاً، والآخر أزرقٌ متداخل مع انعكاسِ أزهارٍ صفراء على جانبيه، وفي المنتصف بينهما أخضرٌ شاهق مُوزّع على زاويتي العمل.
الأطفال، موضوعٌ اهتم صالح برسمه بدقةٍ تتناسب مع الملامح الدقيقة، التي تُخفي وراءها أحياناً شغباً ومرحاً، فأظهر الشعر الأملس والابتسامات الدافئة والثياب المزركشة، وفي إحدى اللوحات تَجاوز الوجه إلى الجزء العلوي من الجسد، وصوّر طفلاً يشرب بما يشبه لقطةً ثابتة، وفي أخرى أَولى عنايةً بالخلفية التي بدت خضراء مُتموجة. يقول: “هذا الموضوع له خصوصيةٌ عندي، وصلتني طلباتٌ لرسم أطفالٍ من أعمارٍ متفاوتة، أنجزتُها بالألوان المائية والزيتية، كانت ردة فعل الأهل تجاهها رائعة، اللوحات كانت نسخةً جميلةً عن أبنائهم، يضاف إليها نبضٌ وروحٌ لا مجرّد شكل”.
لم يدرس صالح الرسم، لكن ذلك لم يُقلل من ثقته بموهبته وقدراته التي اشتغل على تطويرها بصبرٍ وثقة، إلى أن أصبح الرسم تحت الطلب مهنةً يعتاش منها، يقول: “تعلمتُ في مدارس “أونروا ” وفيها كانت البداية مع الرسم، استثمرتُ الوقت في تلافي العيوب وتحسين الإمكانيات، وحالياً أتواصل مع الراغبين برسم بورتريهات لأنفسهم للاحتفاظ باللوحة كذكرى من زمنٍ مُعين، إضافةً إلى من يُريدون رسم أصدقائهم وأحبائهم كهدايا لها وقعٌ خاص، عن طريق صفحتي في “فيسبوك”، اليوم يوجد جيشٌ من الرسامين المُختصين بالوجوه، لا أقلّد أحداً، لوحاتي معروفة وشاهدة على موهبتي”.
وعلى هذا يستعد لإقامة معرضِ فردي يضم أعمالاً جديدة، في خطوةٌ تُتيح له تقديم نتاجه لجمهورٍ واسع والاستماع إلى مزيدٍ من الآراء ووجهات النظر.