في ملتقى القصة القصيرة جداً.. مشاركات إبداعية تهم المتلقي وتلامس واقعه
ثناء عليان:
بمشاركة 14 قاصاً وقاصة، أقامت رابطة القصة القصيرة جداً في سورية بالتعاون مع مديرية الثقافة وفرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس الملتقى الثاني عشر للقصة القصيرة جداً، بإشراف رئيسها الدكتور محمد ياسين صبيح؛ قدم خلاله المشاركون نصوصاً إبداعية متنوعة تهم المتلقي وتلامس واقعه.
حيث رصدت بعض هذه القصص جانباً مهماً من جوانب الأزمة التي نعيشها، وبعضها الآخر غلب عليها الهم الثقافي والاجتماعي وقضايا إنسانية متعددة، كُتبت بلغة بسيطة واضحة تقارب لغة الناس اليومية.
منذر عيسى رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس قال: القصة القصيرة احتاجت ثلاثة عقود لتصل إلى ما وصلت إليه وباستمرار التطور يمكن القول: إن الـ(ق.ق.ج) والتي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي استطاعت أن تحجز لها موقعاً بين فنون الأدب بشكل سريع ومن دون جدل، وذلك تماشياً مع إيقاع العصر السريع، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت فضاءً مريحاً ورحباً لانتشارها، وظهرت أصوات جديدة بدأت تثبت حضورها في هذا النمط من الكتابة الإبداعية.
وبيّن عيسى أن الـ(ق.ق.ج) والومضة الشعرية شكلتا ما سمي ” الأدب الوجيز”، إلّا أن الومضة الشعرية كانت الأسبق، حيث تعود جذورها إلى الأدب الجاهلي متمثلة بالحكم التي يضمها بيت من الشعر أو بيتان، وقد استمرت على مسار تطور الأدب العربي، ورغم أن التكثيف أهم العناصر الرئيسة في القصة القصيرة جداً إلّا أنّ هناك أراء مغايرة لكيفية توظيف التكثيف في الحبكة القصصية، بحيث لا يضرّ ذلك بالنسقية السردية لها، ولكي تناسب وتواكب العصر فقد اتسعت لتشمل كافة المواضيع والتجارب التي عرفتها الأجناس السردية الأخرى.
ويختتم عيسى مؤكداً أنه يكتب الومضة وبشكل أساسي ويتابع كتابها ويقرأ الـ(ق.ق.ج) ويستمتع بها، وفي رأيه إن القبول بالتجديد والحداثة ورفضها مرتبط بالوعي، ونمط التفكير وسعة الاطلاع والمعرفة وقبول الآخر، ولا يعني أن انتشار هذا النمط من الأدب بأنه جيد كله، فمنه الجيد ومنه الغث، لافتاً إلى أن بعض كتّاب نمط القصة يكتبون بلغة ونكهة شعرية مميزة.
بدوره أكد الدكتور زهير سعود من خلال قراءة نقدية للقاصين المشاركين في الملتقى، أن هذا الجنس الأدبي رسّخ جذور انتمائه العربي في سورية وغيرها من بلاد العرب، منوهاً بالدور الرئيسي الفاعل للرابطة السورية في عملية تثبيت ممارسة الفنّ وتوسيع دائرة مريديه والمهتمين به، وإن كان هناك بعض الثغرات التي فرضتها صعوبة الفنّ على مستوى القلّة النخبوية لمرتاديه، فذلك مردّه برأيه لصعوبة تحصيل مبادئه وقيمه الحقيقة في أداء الأدب لوظيفته الاجتماعية والثقافية.. وقال سعود: تتماشى موضوعات وغايات العمل الإبداعي لدى كتّابنا الأعزاء فتكاد تصبّ في مجرى واحد، مجرى يناسب مبررات الفن الأدبي المتمثل في جنس القصّة القصيرة جداً، فجميع النصوص التي طرقت أبوابها عمادها السخرية من الواقع والتعبير غير المباشر عن حالة الرفض وتأكيد حالة العجز الملازم له، لتثبيت المفارقات الفنيّة بتعدد أشكالها، أما في مستوى الإنتاج الفنّي فجميع النصوص رغم التمايزات الطفيفة بينها قد حبكت على مسطرة العمل الإبداعي لهذا الفنّ، وذلك من حيث انشغالها بالقصصية الوامضة، والتكثيفات المنوّعة، ووحدة المبنى والمعنى، والجرأة المخاتلة على الواقع، فصناعة النماذج المختلفة للمفارقة.. وأضاف: توضح النصوص المسبوكة بعناية كتّابها سطري الثنائيات اللغوية، التي تقوم على تأويل العمل الإبداعي وعدم الاكتفاء بالسطر الظاهر للكتابة، وتكاد تكون النصوص التي قدّمها أبطال المنافسة خرجت عن يد واحدة، حتى صعب علينا أمر تثبيت تمايزها، فأول ما يؤكده ذلك هو عمق التجربة واتساع الخبرات في مقاربة هذا الفنّ الشائق، والذي بدأنا نرى فيه تلك الألوان الزاهية لفراشة الأدب.
وفي مداخلة للأديب والناقد علم عبد اللطيف قال فيها: إن الكتابة عن القصة القصيرة جداً.. تحمل إشكالية نوعها.. ومن الصعب أو غير المناسب الإسهاب في تفسير أو شرح مادة مختزلة بنيوياً، وأساساً ليس من الصائب ذلك.. لأننا بكتابتنا عن القصة القصيرة جداً، نحمل نقيضها إليها الشرح والإضافة، ولا يحق لنا أن نضيف بما يمثل إكمالاً للنص.. ونبدو كمن يحل محل الكاتب فيما لم يرده.. هذا من ناحية مبدئية، ومن الناحية التقنية أرى أن النص القصير جداً، والمختزل انسجاماً مع جنسه الأدبي لا يحتمل ما لم يرد فيه خاصة إذا عرفنا كم تعب الكاتب ليخرجه بهذا الحجم.
ويؤكد عبد اللطيف: الاختصار والاختزال لم يكونا مسألة إرادية عند كتاب القصة القصيرة جداً.. فهي هكذا صنعت أدواتها، ولا يجوز استخدام أدوات مغايرة فيها نقداً أو شرحاً.. ويرى أن التعليق يبقى هو الأنسب، تعليق يناسب مقامها ويرد على مقصودها من ذات الأدوات التي أنتجتها، ولا يمكن حذف أي كلمة في القصة القصيرة جداً أو استبدالها..