العلوم.. مدخلٌ إلى فهم الحياة
سلام الفاضل:
طوّر الناس على مدى تاريخ البشرية كثيراً من الأفكار المترابطة والمثبتة والصحيحة حول العوالم المادية والبيولوجية والنفسية والاجتماعية، ومكّنت هذه الأفكار الأجيال المتعاقبة من تحقيق فهم شامل ودقيق للأنواع البشرية وبيئتها وشكّلت الوسائل المستخدمة في تطوير هذه الأفكار طرقاً خاصة، مثّلت جانباً أساسياً من طبيعة العلم، وعكست كيف يميل العلم إلى الاختلاف عن طرق المعرفة الأخرى.
ويُعدّ اتحاد الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا أساس المسعى العلمي، والسبب في نجاحه، لأن ما يخبئه مستقبل الأفراد والعالم يعتمد إلى حد كبير على الحكمة التي يستخدمها البشر في مجالي العلوم والتكنولوجيا.
وضمن هذا السياق يأتي الكتاب الإلكتروني الصادر مؤخراً ضمن “المشروع الوطني للترجمة” عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان:«العلم للجميع»، وهو من تأليف: جيمس رذرفورد وأندرو ألغرين، وترجمة: د. باسل المسالمة، يأتي ليؤكد أهمية معرفة العلوم، التي تشمل الرياضيات والتكنولوجيا فضلاً عن العلوم الطبيعية والاجتماعية، لما لها من دور في تثقيف الفرد علمياً ليدرك أن هذه العلوم هي مشاريع بشرية مترابطة لها نقاط قوة وقيود، ويفهم المبادئ الأساسية لها، ويكون على دراية بالعالم الطبيعي، ويحيط بوحدته وتنوّعه على حد سواء، إلى جانب استخدامه هذا الفهم، وطرائق التفكير العلمية في خدمة أغراضه الاجتماعية والفردية، وذلك عبر عرض جملة من التوصيات التي يتألف منها الكتاب، والتي جاءت حصيلة ثلاث سنوات من التعاون الذي ضمّ مئات عدة من العلماء، وعلماء الرياضيات، والمهندسين، والفيزيائيين، والفلاسفة، والمؤرخين، والمعلّمين الذين وضعوا رؤية هي أقرب ما يمكن للوصول إلى التعبير الصحيح عن وجهة نظر المجتمع العلمي حول ما يشكّل المعرفة في مجال العلوم والرياضيات والتكنولوجيا.
تقع التوصيات التي يشتمل عليها الكتاب في خمسة عشر فصلاً ترسم الفصول الثلاثة الأولى منها صوراً للعلوم والرياضيات والتكنولوجيا التي تؤكد أدوارها في المسعى العلمي، وتكشف بعضاً من أوجه التشابه والصلات فيما بينها، والطرق التي يختلف عبرها كلٌّ منها عن الآخر. كما تضع هذه الفصول رؤى حول طبيعة المعرفة الخاصة بطريقة عمل العلم التي تعد شرطاً لمعرفة العلوم، وتركّز كذلك على ثلاثة موضوعات رئيسة، هي: النظرة العلمية للعالَم، والطرق العلمية للبحث، وطبيعة المشروع العلمي، وتقدم الفصول التالية حتى الفصل التاسع وجهات نظر العالم كما يقدمها العلم الحالي، حيث تلقي الضوء على موضوعات: البيئة، والكون، وتحولات الطاقة، والقوى الطبيعية، والخلايا، وترابط الحياة وتنوّعها وتطورها، والهوية البشرية ووظائفها، ودورها في الصحة الجسدية والعقلية للفرد، والمجتمع البشري، وأنظمته السياسية والاقتصادية، والصراع الاجتماعي، والترابط العالمي… في حين يوضح الفصلان العاشر والحادي عشر ما يجب على الناس فهمه حول بعض الوقائع العظيمة في تاريخ مساعي العلم من موضوعات شاملة يُمكن أن تُستعمل بوصفها أدوات للتفكير في كيفية عمل العلم, وتبيّن الفصول الأربعة الأخيرة عادات العقل التي تُعدّ جوهرية لمعرفة العلوم، والتعلّم الفعّال ومبادئه، والحاجة إلى إصلاحه، كما تعرج للحديث عن المشروع ٢٠٦١ الذي بدأ العمل عليه منذ عام ١٩٨٥، وهو العام الذي مرّ فيه مذنب هالي بالقرب من الأرض، حيث يسأل هذا الكتاب: كيف سيرى تلاميذ المدارس عودة المذنب في عام ٢٠٦١؟ وما التغييرات العلمية والتكنولوجية التي سيشهدونها في حياتهم؟
وفي الختام يمكن القول إن هذا الكتاب يُعرّف مفهوم المعرفة العلمية، ويربط الأفكار الأساسية في العلم بعضها ببعض من دون استخدام مصطلحات تقنية أو تفاصيل معقدة.