كونفوشيوس وطبول الحرب الاقتصادية في القطب الشمالي.. أعلى نموذج
أ.د: حيان أحمد سلمان:
قال (كونفوشيوس) الفيلسوف الصيني الذي عاش ما بين /551/ و/479/ قبل الميلاد أي قبل اكثر من /2500/ سنة: (إن الدب لا يمكنه إطلاق الريح في القطب الشمالي من دون التسبب برياح شديدة في شيكاغو)، وفعلا لم تعد منطقة القطب الشمالي ملاذا لقبائل ( الأسكيمو) و( الدببة القطبية ) بل تلوح منها الآن معالم حرب عالمية اقتصادية بين الدول الكبرى للسيطرة على موارده الاقتصادية وموقعه الجيوسياسي العالمي فهل تتحول إلى حرب عسكرية غير مسبوقة وخاصة أنه من الصعوبة تحديد مساحة تلك المنطقة بسبب تغيرها الدائم وبما يتناسب مع تراكم الثلوج وهي ثاني أبرد منطقة في العالم بعد القطب الجنوبي ويصل متوسط درجة الحرارة فيها إلى ناقص /46/ درجة ؟! وخاصة أن أمريكا فعلت في سنة /2022/ مجلسا دوليا خاصا بهذه المنطقة (المجلس القطبي الأعلى ) ويضم ثماني دول هي (أمريكا -روسيا – كندا – الدنمارك – فنلندا -آيسلاندا – النرويج – السويد) ودول مراقبة /13/ دولة اهمها (ألمانيا و فرنسا وبريطانيا والصين والهند واليابان والكوريتان ) وكلها دول لها وزنها الدولي الكبير ولكل منها مصلحتها الخاصة ومن الصعوبة التنسيق فيما بينها في ظل الرغبة الأمريكية بالسيطرة واستغلال دول حلف ( الناتو ) لتحقيق ذلك ، وبدأت هذه الدول تتسابق لتصنيع السفن وكاسحات الجليد بدليل زيادة تصنيعها حوالي /9/ أضعاف وخاصة في كوريا الجنوبية خلال العامين الأخيرين، وهذا من أهم أسباب قلق روسيا من انضمام فنلندا والسويد إلى حلف ( الناتو ) لأنه عندئذ ستتحول تلك المنطقة إلى مصدر تهديد فعلي لروسيا والصين .
وتؤكد الدراسات الاقتصادية أن الصراع على الموارد الاقتصادية هو ديدن الدول الغربية “الناتويّة” وحلفائها للسيطرة على هذه المنطقة التي تضم نسبة /25%/ من الاحتياطيات العالمية من الغاز حوالي /50/ تريليون متر مكعب والنفط حوالي /90/ مليار برميل ما دفع الشركات الغربية للبحث عن استثمارات في تلك المنطقة و كميات كبيرة من اليورانيوم والقصدير والألماس والذهب والنيكل والرصاص والبلاتين بقيمة تزيد على /10/ تريليونات دولار في حدها الأدنى فهذه المنطقة تضم أهم الطرق المائية في العالم وتختصرّ /30%/ من المسافة وبما يعادل /6/ أيام من مدة السفر….إلخ .
من هنا نتفهم توجه أمريكا لوضع خريطة طريق لزيادة وجودها في القطب الشمالي فقد سيرت دوريات عسكرية قبالة الشواطئ الروسية في تلك المنطقة بالتنسيق مع الدول المتشاطئة مع القطب الشمالي وخاصة ( كندا والنرويج والدنمارك وجزيرة غرينلاند )، وأرسلت غواصاتها النووية وكاسحات ااجليد و27 ألف عسكري إلى منطقة ( آلاسكا ) الأمريكية القريبة من الحدود الروسية لمواجهة الوجود الروسي الذي يعتبر أن جزءا كبيرا من منطقة القطب الشمالي هو أرض روسية وتمتلك حدودا طويلة مع القطب الشمالي تعادل /53%/ من حدود كل الدول الأخرى، كما حاولت الإدارة الأمريكية في عهد ( ترامب ) وحاليا مع ( بايدن ) شراء جزيرة ( غرينلاند ) لمواجهة الطموحات الروسية والصينية.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي أمام وزراء مجلس القطب الشمالي سنة 1919 أن الصين استثمرت حوالي /100/ مليار دولار في تلك المنطقة ورفض أن يكون لبكين أي حقوق في تلك المنطقة، وأعلنت القيادة الروسية أن المساحة الإضافية التي تمتلكها في تلك المنطقة أكبر من مساحة فرنسا وألمانيا معا وتزيد على /1،2/ مليون كم2 وأن أكثر من /50%/ من سكان القطب الشمالي أي حوالي مليونين هم من الروس ، وبناء على توجيهات الرئيس فلاديمير بوتين سنة /2021/ بعد لقائه مع القادة العسكريين قامت روسيا ببناء سبع /7/ مطارات عسكرية في المنطقة التابعة لها وتعتبرها من أهم متطلبات أمنها ومصالحها القومية وستدافع عنها بكل الوسائل الممكنة. وكدليل على ذلك أعلنت شركة (غاز بروم ) الروسية سنة 2021 أنها أرسلت الشحنة النفطية الثانية من القطب الشمالي إلى الأسواق الأوروبية. وعن أحقية روسيا في منطقة القطب الشمالي فقد اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون وقالت: إن روسيا تمتلك أطول خط ساحلي في العالم مع القطب، فماذا لو حصل الصدام بين الغواصات النووية وكاسحات الجليد الروسية والأمريكية؟!، وقد شهد العالم خلال الأسبوع الجاري تحليق القاذفات الاستراتيجية الروسية والصينية وكذلك الأمريكية واليابانية فوق تلك المنطقة وبحر الصين الجنوبي والسماء اليابانية . لذا فإن قرع طبول الحرب يزداد فهل سينهض ( كونفوشيوس ) وحكماء العالم ليحلّوا هذه المشكلة التي يمكن أن نحدد بدايتها ولكن من الصعب تحديد نهايتها ونتائجها؟.