الحق مع الوحدة أقوى
عبادة صالح
منذ استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة وإلى اليوم، كُتبت مئات المقالات تُوصّف وتدين وتستنكر ما حدث، وصدرت عشرات المواقف التي تدعو إلى محاسبة الجناة الطغاة، وهذا رد فعل متوقع وأقل من الطبيعي أمام حدث كاستشهاد شيرين..
وعلى المقلب الآخر جاء الدفاع الصهيوني عن جيش الاحتلال وجريمته منسجماً مع سلوك وتفكير وأخلاق الصهاينة؛ ولكن كي نكون واقعيين فإن استشهاد أبو عاقلة على يد المجرمين الصهاينة ليس الأول في الصراع مع العدو الإسرائيلي ولن يكون الأخير، فالاحتلال الإسرائيلي كيان طفيلي يعتاش على الدماء؛ ولكن ما يدعو للتوقف بعض الأصوات الشاذة العميلة، التي أثارت موضوع جوازيّة الترحّم على الشهيدة أبو عاقلة من عدمه، هذه الأفواه التي نطقت بالفكر الإسرائيلي كان جوهر مقصدها خلقُ بلبلةٍ تشيح الأنظار قليلاً عن الحدث الأساسي، وبثُّ التفرقة بين صفوف الشارع العربي، تلك الصفوف التي وقفت موحدةً خلف الشهيدة أبو عاقلة، فأكثر ما يثير ريبة وتخوّف العدو الإسرائيلي هو الموقف العربي الواحد في أي مجال كان، لأن العدو الصهيوني يدرك حقيقةً أنّ لحظة توحد القرار العربي، هي نهاية كيانه المزعوم، لذلك يسعى باستمرار لتكريس حالة الانقسام في الوطن العربي، من خلال إذكاء نار الفتنة والتفرقة بين العرب، والدفع نحو المزيد من التشرذم والانقسام.
الوحدة العربية المطلوبة اليوم ليست تلك الوحدة بمفهومها الكلاسيكي، والتي من الصعب جداً الوصول إليها حالياً، بل وحدةٌ وفق مفاهيم حديثة تحافظ على خصوصية وطابع كل بلد عربي، ولا تلغي الفروقات والاختلافات بالمطلق بين البلدان العربية، ولكنّها تضمن في ذات الوقت مستوى عالياً من التنسيق، والعمل المشترك عبر بناء موقف عربي واحد وحازم من القضايا الرئيسة في العالم والمنطقة بما يحفظ مصالح الدول العربية، ويعيد لها مكانتها ، إنّ التغيرات المتسارعة على الساحة الدوليّة تثبت بشكل قاطع أن المرحلة القادمة هي مرحلة التكتلات العالمية، وهذا يفرض على الدول العربية أن تسعى بشكل جادّ وحثيث لإحداث بنية عربية جديدة تستطيع من خلالها خلق تكتل وازن مسموع الكلمة في المنطقة والعالم يحفظ وجودها ويضمن مستقبل شعوبها.
إن أي بلد مهما كان عظيماً وقويّاً لن يستطيع الصمود والنجاة بمفرده، وهذا ما يظهر جليّاً في سلوك الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى بشكلٍ دؤوب إلى تمكين تحالفاتها وتعزيز علاقاتها، فتذهب لإنشاء تحالف ” أوكوس” مع كل من أستراليا، وبريطانيا لمواجهة الصين في المحيطين الهندي والهادي، وهذا التحالف مرشح لاستقطاب دول جديدة إليه، ومن ناحية أخرى تدفع الولايات المتحدة بقوة لتعزيز حلف شمال الأطلسي، وتشرّع الباب أمام الدول الغربية للانضمام إليه، فاليوم تنتظر فنلندا والسويد نهاية المفاوضات والمباحثات مع حلف “الناتو” من أجل إعلان الانضمام رسمياً للحلف، هذا الانضمام الذي تقف تركيا ضده تحت ذريعة دعم فنلندا والسويد لبعض التنظيمات ، وهذا نوع من الابتزاز السياسي؛ حيث نلاحظ أنّ السويد وفنلندا بدأت بتغيير موقفها من الأكراد رغبةً بالانضمام لحلف “الناتو” ، إذ قالت رئيسة الوزراء السويدية “ماغدالينا أندرسون”: إن بلادها تدعم بشكل صريح مكافحة الإرهاب وإدراج بعض الجماعات على قائمة الإر*ه*اب، كما أوضحت أندرسون أنها أكدت لأردوغان خلال اتصال هاتفي استجابة السويد بكل ترحيب لجهود التعاون في مكافحة الإ*ره*اب الدولي، ومن هنا يجب أن نستخلص العبر، حيث نرى من جهة أنّ دول العالم اليوم وعلى الرغم من الخلافات والفروقات الإيديولوجية والثقافية والفكرية الكبيرة فيما بينها، بالإضافة لقلّة القواسم المشتركة التي تجمعها إلّا أنّها تبذل قصارى جهدها للتموضع ضمن تحالفات تعزز من موقعها العالمي؛ ومن جهة أخرى يجب أن يقرأ الأكراد الانفصاليون هذه الرسالة بشكل متمعنٍ ودقيق، فما من بلد سيفضل مصلحتهم على مصلحته، ولن يكونوا موضع ترحاب عند بلدان العالم إلّا عندما يريدون استخدامهم كأدواتٍ لتحقيق مصالحهم، وهنا يصبّ قرار وزارة الخزانة الأميركية الأخير الذي يستثني مناطق في شمال وشمال غرب سورية الخاضعة لسيطرة ميليشيات “ق*س*د” المرتبطة بالاحتلال الأمريكي ، من تبعات ما يسمى “قانون قيصر”، حيث إنّه يهدف بشكلٍ واضح وصريح لتكريس حالة الانقسام في سورية، والدفع نحو التجزئة ، من خلال استخدام جزء من المكون الكردي في سورية كسلاحٍ ضد وطنه الأم، لذلك يجب أن يدرك الأكراد أنّهم لن يكونوا أكثر من مجرد ورقة يرميها الأميركي عندما ينتهي دورها مثلما فعلت السويد وفنلندا، وبأنّ البلد الوحيد الذي يسعى للحفاظ على حقوقهم ومصالحهم هو بلدهم الّذي يحملون هويته.