ما قصة هذا البيت من الشعر.. ومن هو قائله؟
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
هذا بيت من الشعر المشهور الذي نسمعه كثيراً ونستشهد به في مواقف ومناسبات من حياتنا اليومية، ويتردد على كل الألسن، وهو يضرب مثلاً لكل عمل لا يتم إلا بعد مشقة وتعب، ولهذا لا يقدره حق قدره إلا من جرّب مشقته وصبر على متاعبه، ولكن، هل يخطر في البال أن هذا البيت من الشعر الجميل الحكيم لشاعر كانوا يلقبونه «الأبله».
نعم صاحب هذا البيت شاعر بغدادي اسمه «أبو عبد الله بن محمد بن بختيار ابن عبد الله المولد» وكان لقبه «الأبله»، واختلف في سبب تلقيبه بذلك، فقيل إنه كان فيه ظرف وبله، وقيل لأنه كان في غاية الذكاء، إذ إن لفظ الأبله من الأسماء الأضداد، وقد ترجم له (العماد الأصفهاني) في (جريدة القصير) فقال إنه كان شاباً ظريفاً يتزيّا بزيّ الجند، وكانت وفاته في سنة 579 أو 580ه، وقد أثنى مترجموه على شعره فقيل إنه جمع بين الصناعة والرقة، ونوه العماد الأصفهاني بأسفاره الغزلية الرقيقة التي يتهافت عليها المغنون، ومن رقيق غزله قوله في أول قصيدة مشهورة:
دعني أكابد لوعتي وأعاني
ابن الطليق من الأسير العاني
آليت لا أدع الملام يغرني
من بعد ما أخذ الغرام عناني
وقد كان هناك في بغداد من الرؤساء الأدباء من يفضلون «الأبله» البغدادي هذا على جميع شعراء عصره وجيله، حتى أثار ذلك حسد بعض أقرانه مثل (سبط ابن التعاويذي)، أبي الفتح محمد بن عبيد الله الكاتب فقال يهجو أحد هؤلاء الأكابر بسبب تقديمه الأبله المذكور على غيره من الشعراء:
قل لأبي النقص والمخازي
يا حرج الصدر والفناء
بأي رأي وأي فهم
يا مدعي الفهم والذكاء
قدمت مستأثراً علينا
أحقر قدراً من الهباء
أبله قِدَماً يُرى ويُربى
عليه في قلة الحياء
له على زعمه مديح
أقبح عندي من الهجاء
ومن الواضح أن الحسد والغيرة هما اللذان أطلقا لسان (سبط ابن التعاويذي) في هجاء زميله «الأبله» وذم المتعصبين له من كبار رجالات بغداد، والحسد بين المشتغلين بالمهنة الواحدة، داء مزمن يستعصى على العلاج.
وفي بغداد قصة حب مع الشعر والشعراء لن تنتهي بعد، ففي كل يوم يولد شاعر وتكتب قصيدة شعر ما بين الرصافة والجسر.