قلق “الشرطي العالمي”
تدس واشنطن أنفها في كل التحركات والتواصل الثنائي بين الدول، لا بل ترسل الرسائل المحذرة والمهددة، لهذه الدولة أو تلك، وهي بذلك تعمل متوهمة بأن العالم لازال رهينة بيد “الشرطي العالمي” أي أمريكا، أو تتخيل واشنطن أنها قادرة على فرض إرادتها على جميع الدول..
هذا الكلام ليس مستغرباً أو جديداً، لكنه من باب الإشارة إلى ما صدر عن الإدارة الأمريكية بشأن زيارة وزير خارجية دولة الإمارات إلى دمشق.
حيث “أكدت الولايات المتحدة أنها لا تدعم مساعي بعض الدول العربية إلى إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، محذرة من أنه يتوجب على الأصدقاء الانتباه للرسائل التي يبعثونها إلى دمشق”.
وبناء على هذا التحذير يمكن أن نسأل متى لم تشعر الولايات المتحدة بالقلق؟ بالتأكيد عندما تعمل الدول وفق ما يلبي مصالحها ومخططاتها. وأكثر من هذا متى كان لرسائل التحذير مكان للصرف في سياسات الدول المستقلة، التي لا تعمل وفق التوجهات والشروط الأمريكية، وواشنطن أكثر من غيرها تعرف هذا ولا حاجة لتذكيرها كيف عاد وزير خارجيتها الأسبق كولن باول من دمشق بعد غزو العراق..
لقد أعاقت واشنطن ولا تزال بشدة التعاون الدولي البناء، وخربت ما بين الدول والأشقاء، وسخرت حتى المنظمات والاتفاقيات الدولية لموافقة احتياجاتها، مع التخلي عما يتعارض مع مصالحها؛ ومن خلال التلاعب بالنظام المالي الدولي، استحوذت على ثروة هائلة، وفرضت بشكل قسري وخارج الشرعية الدولية إجراءات قسرية طويلة الذراع، لتضييق على سورية وشعبها والدول والشعوب في تعاونها الثنائي، بل أشعلت نزاعات تجارية مع العديد من الدول الأخرى.
وفي حقيقة الأمر لم تدخر الولايات المتحدة أي جهد للسعي وراء الهيمنة العالمية والاحتفاظ بها. وسخَّرت تفوقها في قطاعات العسكرة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، للتدخل كثيراً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتنمرت على الدول الأخرى ونهبتها وسيطرت عليها تحت شعار “الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان”.
كما عملت ولا تزال حتى اللحظة على تأجيج التوترات في جميع أنحاء العالم من خلال شن الحروب وإثارة المواجهات والإطاحة بالحكومات التي لا تتوافق وتوجهاتها.
أمام هذا كله تصبح واشنطن أكبر مخرب للنظام الدولي، ومصدر تزايد عدم اليقين وعدم الاستقرار في العالم وهذا ما أشارت إليه أيضاً صحيفة نيويورك تايمز في تشرين الأول 2020 بقولها: “إذا كانت هناك أي قوة سعت للهيمنة على العالم وقسر الآخرين وانتهاك القواعد، فهي الولايات المتحدة”.
بعد قول الصحيفة الأمريكية ما من كلام يقال، وتالياً لا يحق لواشنطن أن توجه الرسائل للآخرين أما القلق فهذا يخصها وحدها..