أبدى عدد من الصناعيين الذين هاجروا بصناعاتهم خلال فترة الحرب الإرهابية على سورية رغبة بالعودة وإعادة توطين صناعاتهم في وطنهم الأم، خاصة بعد تحسن الأوضاع وتحرير معظم الأراضي السورية من الإرهاب، ولكن هذه الرغبة تشوبها بعض المخاوف المتعلقة بالواقع الاقتصادي ومدى التسهيلات التي ستقدمها الحكومة لضمان انطلاقة قوية.
الوضع أفضل
الصناعي والأمين العام للجالية السورية في مصر عمار صباغ أكد أن 90% من الصناعة التي هاجرت خلال الأحداث تركزت في مصر، وهي صناعة نسيجية معظم أصحابها من مدينة حلب، أما في تركيا فاقتصر الأمر على بعض ورشات خياطة جذبت عمالة سورية مهاجرة برواتب ضئيلة وليس هناك تواجد لمعامل ضخمة يملكها سوريون.
ولفت صباغ إلى أن رأس المال يبقى جباناً ويبحث عن عوامل الاستقرار والأمان وتوفر مستلزمات الإنتاج (موارد طاقة، بنى تحتية، عمالة) موضحاً أن سبب توجه الصناعيين السوريين إلى مصر هو بسبب تدمير التنظيمات الإرهابية لمنشآتهم إضافة إلى إمكانية تصدير المنتج باعتبار أن مصر تربطها اتفاقيات اقتصادية مع الدول العربية وأوربا والدول الإفريقية.
وقال الصباغ : قبل حوالي 4 سنوات اجتمع رجال الأعمال الذين هاجروا بصناعاتهم إلى مصر مع الجهات المعنية السورية لبحث إمكانية عودة هذه الصناعات إلى سورية ، وأضاف: كانت الظروف حينها سيئة، أما اليوم فالوضع أفضل خاصة بعد تعافي مدينة حلب ، متمنياً على الجهات المعنية إعادة التواصل مع الجالية والسفارة السورية لتشكيل وفد من رجال الأعمال وهم يشكلون شريحة لا بأس بها في مصر بهدف الاجتماع ومناقشة إمكانية العودة.
سلسلة مكتملة
وتابع الصباغ: بعض المعامل في المدينة الصناعية في الشيخ نجار تعمل في الوقت الراهن يومين فقط وتتوقف بقية أيام الأسبوع، نتيجة نقص موارد الطاقة والعمالة ، أما الصعوبة الأبرز فهي الاحتلال الأمريكي لمنطقة الجزيرة السورية وسرقته لمحصول القطن في سورية، لذلك يجب البحث عن مناطق أخرى يمكن زراعة القطن فيها، منوهاً بأنه في حال لم تكتمل السلسلة وتتوافر كل مقومات الإنتاج ستبقى الصعوبات قائمة والعودة مؤجلة.
وأكد صباغ أن كل شخص تهدم معمله بسبب الإرهاب لديه النية لإعادة بنائه من جديد، وقد لا يتخلى الصناعي عن مشروعه الذي أسسه في مصر، ولكن من الممكن مستقبلاً إعادة التصنيع في سورية وتسويق الإنتاج عبر الأسواق المصرية إلى كل أصقاع العالم، ولاسيما أن هناك اتفاقيات إعفاءات جمركية تربطنا بهم، ولفت إلى أن هذه الطموحات لن تتحقق بين يوم وليلة ولكن يجب أن يبقى التواصل مع الصناعيين مستمراً وأن توضع الأهداف والرؤى والعمل على تحقيقها نصب أعين الجميع.
حزمة تسهيلات
من جهته، الصناعي خلدون سكرية الذي لجأ الى مصر ليستمر في إنتاجه بعد أن دمر الإرهاب المدن الصناعية في حلب يقول: بدأت رحلة الاستثمار في مصر ، الأمر الذي جعل الاستثمارات السورية تزداد، وكشفت الإحصاءات الرسمية للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، عن احتلال الاستثمارات السورية مراكز متقدمة في الترتيب بين الدول المستثمرة في مصر.
ويرى سكرية أن إعادة توطين الصناعة وبناء ما دمر وعودة الإنتاج والتصدير بطاقة أكبر يجب أن يتواكب مع مناخ ملائم ومساعدة في الإقلاع من خلال حزمة من التسهيلات والمحفزات التي تُذكر في توصيات غرفة الصناعة وتُكرر في كل عام، مضيفاً أن الصناعي السوري وبرغم كل الظروف قادر أن ينتج ويتميز بصناعته وخاصة في الصناعات النسيجية باعتباره ملماً بكل حلقات الإنتاج، فرغم الحرب على سورية والدمار الكبير الذي لحق بالمناطق الصناعية وخاصةً في مدينة حلب، وبرغم الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على بلادنا، لم يتوقف الإنتاج والتصدير ولو بأرقام قليلة.
المنتجات السورية تنافس
وشدد سكرية على أنه لا تنمية شاملة من دون ثورة صناعية، ولا ثورة صناعية من دون توافر مقوماتها، وهذا ملخص التجارب التنموية القديمة والحديثة، وإن ابتغاء التنمية بغير طريق التصنيع هو هدر للوقت وللإمكانات، كما أن تثوير الصناعة بمعزل عن شروطها ومقوماتها الموضوعية هو تبديد وبعثرة لجهود التصنيع والتنمية.
وحول الأرقام الحقيقية لاستثمارات الصناعيين السوريين في مصر، أجاب بأنها تقدر بملايين الدولارات بين مصانع كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وبأن الحجم الأكبر من الصناعيين يستثمرون أموالهم الآن في مصر، وأصبح للسوريين دور كبير في تجارة الأقمشة، إذ توجد منطقة لبيع الأقمشة السورية تنافس أهم وأقدم سوق أقمشة في القاهرة.
إعفاءات جمركية وضريبية
على المقلب الآخر، يبرز سؤالنا الأهم الذي توجهنا به إلى وزارة الصناعة حول الآلية التي ستعيد بها الحكومة الصناعات والرساميل المهاجرة وما هي خططها في هذا الإطار؟، ليأتي رد وزارة الصناعة عبر مكتبها الصحفي بأنه تم إصدار العديد من القرارات والبلاغات والكتب إضافة إلى المراسيم التشريعية الهادفة لمنح تسهيلات وإعفاءات جمركية وضريبية لأصحاب المنشآت المتضررة بفعل الإرهاب بشكل عام وتقديم التسهيلات في مجال التصدير.
قيمة مضافة
من جهته محمود الزين عضو غرفة صناعة دمشق وريفها أكد أن الصناعي الذي هاجر خلال الحرب على سورية يتوق للعودة إلى معمله بعد استقرار الأوضاع ولا توجد لديه شروط تعجيزية ، ولكنه يبحث عن أسس يجب أن تتوافر لتسهيل طريق العودة ، و هناك العديد من النقاط المحددة يجب معالجتها، لافتاً إلى أن الدولة اليوم بحاجة إلى عائدات بالعملة الصعبة ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال الإنتاج وعودة المصانع إلى عملها، لافتاً إلى أن الصناعي والتاجر السوري لاتقف العقوبات والحصار عقبة في وجهه ، متمنياً تسهيل إجراءات استيراد المواد الأولية والسماح باستيراد القطن الخام لما يحققه من قيمٍ إضافية عالية باعتبار أن أغلب الصناعات التي نشتهر بها هي صناعات تحويلية .
التصنيع السبيل الوحيد
الخبير الاقتصادي الدكتور علي ميّا أشار إلى أن أبرز المشكلات المعاصرة التي يواجهها الاقتصاد الوطني السوري هي إعادة تأهيل القطاع الصناعي السوري بشقيه العام والخاص، وإعادة الصناعات المهاجرة التي خرجت من البلاد نتيجة الحرب الإرهابية التي مازالت تشن على بلادنا والتي دمرت البنى التحتية، وما رافق ذلك من تخريب وتهجير وسرقة معظم المؤسسات الاقتصادية، ما انعكس سلباً على اقتصادنا الوطني، وتالياً على المستوى المعيشي للمواطنين، وبيّن أن على المعنيين بالشأن الاقتصادي اتخاذ كل ما يلزم من قرارات لتنمية القطاع الصناعي وزيادة إنتاجه كماً ونوعاً وإعادة الصناعات المهاجرة، لأن التصنيع هو السبيل الوحيد لاستغلال الموارد الاقتصادية المحلية سواء أكانت مواد أولية أم موارد بشرية وتالياً المساهمة في تخفيض معدل التضخم ورفع مستوى الدخل الفردي وتحسين المستوى المعيشي لكافة أفراد المجتمع، وكذلك التخلص من الحصار الاقتصادي وتحكم الأسواق الخارجية بمصيرنا الاقتصادي.
مقترحات لتسهيل العودة
وقدم الدكتور ميا جملة من المقترحات الهادفة لعودة الصناعة المهاجرة التي يجب أخذها في الحسبان ومنها المساعدة في نقل هذه المصانع وتحمل جزء من تكاليف النقل وتأمين المكان المناسب لإقامة هذه المصانع بأسعار مجانية أو رمزية ومنح الإعفاءات الضريبية المشجعة بأشكالها المتعددة والمناسبة، إضافة إلى التغذية الكهربائية المستمرة للمصانع وبيعها الوقود بأسعار مناسبة وتسهيل إجراءات النقل والترخيص وتقديم التمويل المناسب والإعفاءات الجمركية للمواد والآلات والتجهيزات اللازمة وضرورة إجراء عقود مسبقة مع التجار لتصريف الإنتاج، وإصدار القوانين اللازمة لحماية الصناعات الوطنية وتشجيعها للحصول على شهادات «الآيزو» كي تتمكن من تصدير إنتاجها إلى الأسواق العالمية.
وختم ميّا بالقول: إن هناك الكثير من رجال الأعمال السوريين الراغبين بالعودة والمساهمة في إعادة بناء سورية الجديدة لذلك يجب تقديم كل التسهيلات والدعم لما فيه مصلحة عامة ووطنية.