بعد أن كانت سورية من الدول الأكثر أماناً والأقل بعدد الجرائم تغيرت الحال بعد أن شُنت الحرب عليها وارتكبت التنظيمات الإرهابية أبشع الجرائم بحق الشعب السوري.
فما الإجراءات التي قد تحدّ من انتشار الجريمة؟ هل العقوبات التي وضعها القانون كافية لردع المجرم عن تكرارها؟
بالأرقام
قال العميد بسام سليم – رئيس فرع التسجيل الجنائي في دمشق: إن عدد الجرائم التي وقعت في أنحاء البلاد خلال العام الماضي 2020 بلغ نحو 54333 جريمة، يقابلها 57848 جريمة حدثت عام 2019، أي تناقصت بنسبة 6%، ووصل عدد الجرائم المكتشفة 45594 جريمة، مقارنة بعام 2019 الذي اكتشفت خلاله 47859 جريمة، أي أقل بنسبة 4,7%، في حين بلغ عدد الجرائم غير المكتشفة 8739 جريمة عام 2020، مقارنة بعام 2019 الذي بلغ فيه عدد الجرائم غير المكتشفة 9989 جريمة، أي أقل بنسبة 12%.
حلب الأكثر في عدد الجنايات
وحسب العميد سليم، فإن مجموع الجنايات الواقعة في مختلف المناطق وعلى اختلاف أنواعها من قتل أو تزوير أو سرقة وغيرها تصل نحو 5012 جناية، وكانت محافظة حلب من أكثر المحافظات بعدد الجنايات الواقعة خلال عام 2020، حيث بلغت 1717 جناية أي ما يعادل 34% من مجموع الجنايات، بينما سجلت القنيطرة العدد الأقل بين المحافظات بـ 38 جناية فقط.
جنايات القتل في تناقص
تؤكد الإحصاءات في فرع الأمن الجنائي بدمشق أن جنايات القتل والشروع به التي وقعت خلال 2020 نقصت عن مثيلاتها في عام 2019 بمقدار 124 جناية وبنسبة 24% وتركزت زيادة الجنايات في محافظات حلب – دير الزور – طرطوس، بينما تناقصت في محافظات دمشق – ريف دمشق – حمص – حماة – اللاذقية – السويداء – درعا – الحسكة.
كما تضمنت الإحصاءات عدد الجرائم المرتكبة منذ بداية 2021 والتي وصلت نحو 8719 جريمة وتنوعت ما بين قتل ورشوة واختلاس وغيرها من الجرائم.
السرقة في ازدياد
وفيما يتعلق بجنايات القتل والشروع به، فقد بلغت 10% من مجموع الجنايات، مقابل 13% في عام 2019، بينما ازدادت جنايات سرقة المساكن والمتاجر عام 2020 بمقدار 20%، أي بمقدار 733 جناية، مع بقية الجنايات من خطف وضرب وغيره.
197 جريمة صرافة
وتؤكد الإحصاءات أن عدد جرائم الصرافة (تصريف الدولارات في السوق السوداء) بلغ في عام 2020 نحو 197 جريمة، مقابل 72 لعام 2019 أي ازدادت بمقدار 125 جريمة، وبلغ عدد جرائم الإرهاب لذات التاريخ 1234 جريمة يقابلها 1998 جريمة لعام 2019، و28 جريمة تنقيب عن الآثار وتهريبها عام 2020 يقابلها 22 جريمة عام 2019.
ولم تغفل الإحصائية جنايات تزوير الأوراق المالية التي بلغت 107 لعام 2020 بزيادة بلغت 16 جناية عن عام 2019.
تعاطي المخدرات في تناقص
وكان لجرائم تعاطي المخدرات حصة منها، حيث بلغت 1739 جريمة مقابل 2255 لعام 2019، أي نقصت بمقدار 516 أي ما يعادل 29% وسجلت محافظة دمشق أكثر المحافظات ارتكاباً لهذا النوع من الجرائم حيث بلغ عددها 625 جريمة.
إجراءات
يشير العميد سليم إلى الإجراءات التي تقوم بها وزارة الداخلية في قطاع عمل الوحدات الشرطية على مدار الساعة لقمع ومنع انتشار الجريمة ما يترك انطباعاً إيجابياً لدى المواطنين، إضافة إلى نشر تلك الجرائم عبر وسائل الإعلام الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي، لتكون رادعاً للناس عامة وللأشخاص الذين تسول لهم أنفسهم بارتكابها.
تصب الماء المغلي على ابنتها
سأقوم بتربيتك على طريقتي الخاصة (فالتربية الحديثة لا تعجبني)، هذه العبارة كانت آخر الكلمات التي نطقت بها الأم قبل أن تشوه وجه ابنتها (تالا) بصب الماء المغلي عليها.
تقول تالا (12) عاماً: «في كل مرة يحدث شجار بين أمي وإخوتي لأي سبب كان، تعاقبنا أمي بحرقنا بالماء المغلي، وباستخدام أساليب عنف أخرى»، وانتهت هذه الحوادث بتسجيل شكوى للجهة المختصة.
أسباب شخصية واجتماعية
الباحث الاجتماعي والنفسي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل د. حسام سليمان الشحاذة أكد لـ«تشرين» أن الأميّة والجهل والمستوى التعليمي من الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الجريمة، إضافة إلى عوامل أخرى منها عدم الاستقرار النفسي والانفعالي الذي يعانيه الفرد، إضافة إلى تدني مستوى الشعور بالأمن النفسي وعدم القدرة على مواجهة الضغوط النفسية، ولاسيما تلك التي برزت خلال سنوات الحرب على سورية.
وركز الشحاذة على أهمية العوامل الاجتماعية والأسرية التي تعدّ من أهم العوامل التي تزيد من معدل ارتفاع الجريمة، مثل غياب الوعي الأسري بأهمية التنشئة السليمة والأخلاقية للأبناء، والتي يجب أن تقوم على الحوار والمناقشة بما يتناسب مع مستوى القدرات العقلية، ليأتي بعدها رفاق السوء ووسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الإنترنت، ولاسيما التي تنشر مقاطع لأفلام الرعب، أو من الذين يمارسون بعض الألعاب الإلكترونية التي تمثل بيئة افتراضية للحروب والقتل.
الحرب زادت الأسباب
لا شك بأن سنوات الحرب على سورية ضاعفت من الأسباب الموجبة لارتكاب الجنح والجرائم ولاسيما بين شريحة الشباب، وخاصة ما حصل من غلاء معيشي وبطالة، ومن المعروف أن معدل الجريمة قبل سنوات الحرب كان أقل من المعدلات الحالية، وهذا يعود للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والصحي الذي كان سائداً حينها. وقدم الباحث الشحاذة عدة اقتراحات للحد من انتشار الجريمة هي:
– نشر الوعي في المجتمع خاصة بين المراهقين والشباب وفي المدارس.
– التركيز على إقامة ندوات توعوية في السجون ومراكز الأحداث لتوعيتهم.
– اهتمام الجهات المختصة بمكافحة البطالة وتحسين الواقع المعيشي.
– العمل لإعادة إدماج الشباب بالمجتمع وتمكينهم من التكيف والتعايش.
– توجيه المجتمع بكافة مكوناته إلى احتضان الشباب أو المراهقين ولاسيما أصحاب الأسبقيات في السلوك الجرمي وتوجيههم بما يمكنهم من التعايش الإيجابي مع الحياة ومشكلاتها.
عقوبات كثيرة
أمام هذا المشهد يبقى السؤال: ما الحكم القانوني للجريمة؟ وهل هذا يعد رادعاً كافياً؟
يرى المحامي عبد الفتاح الداية أن كل ظرف يمكن أن يشكل بيئة مناسبة لارتكاب الجريمة، ابتداءً من ظروف المجتمع وما يطرأ عليه من ظروف غير عادية كالحرب والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وانتهاءً بظروف خاصة بمرتكب الجريمة نفسه والتي قد تكون معنوية أحياناً، إلى جانب العوامل المادية، مبيناً أن القانون السوري وضع عقوبات تختلف من جريمة لأخرى وفق شروط كل منها على حدة، على سبيل المثال تضمن قانون الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة حسب الظروف وشروط الجريمة، كأن تتضمن السرقة والضرب أو حمل السلاح وغيره.
وأضاف الداية: إن القانون السوري تضمن العقوبات حسب الجرم المرتكب، على سبيل المثال يعاقب القانون والمادة 624 منه بالأشغال الشاقة المؤقتة في بعض حالات السرقة، كأن يعاقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة إذا ما رافق السرقة عنف على الأشخاص سواء لتهيئة الجريمة أو لتسهيلها أو سواء لتأمين هروب الفاعلين، ولا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا تسبب عن العنف رضوض أو جروح.
وأضاف: إن المادة (500) تضمنت الحبس من ثلاث سنوات إلى تسع سنوات في حال خطف فتاة بالخداع أو العنف، وتضمنت أيضاً الأشغال الشاقة تسع سنوات في حال الخطف بقصد الفجور.
كما تضمنت المادة (503) أنه يستفيد من الأسباب المخفضة المنصوص عليها في المادة (241) أن يُرجع المجرم المخطوف من تلقاء نفسه خلال ثمان وأربعين ساعة إلى مكان أمين من دون أن يقع عليه أي أذى.
ويعاقب القانون وفق المادة (625) بالأشغال الشاقة كل من أقدم على السرقة في الأماكن المقفلة سواء كانت مأهولة أو لا، كما تضمنت المادة (625) أنه يعاقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة تتراوح بين عشرة آلاف ليرة إلى مئتي ألف ليرة كل من أقدم على ارتكاب السطو على مال الغير.
رفع الغرامات المادية
ويعتقد المحامي الداية أن أي عقوبة لمرتكبي الجرائم تتضمن عقوبة السجن هي رادعة، أو هكذا يُفترض، لأن الحرية أثمن ما يملك الإنسان، وحبس الحرية يفترض أنه الأصعب والأقسى مهما بلغت مدة تنفيذ العقوبة، حتى لو لم تتجاوز اليوم الواحد فكيف السنوات، لكن هذا لا يعني انتفاء الحاجة كلياً لتعديل القانون، وربما أكثر ما يحتاجه القانون النافذ الآن هو رفع الغرامات على مرتكب الفعل المخالف للقانون فأغلب هذه الغرامات غير رادعة.