ورثتُ عن والديّ -رحمهما الله واسكنهما فسيح جناته – ثلاث غرف متهالكة آيلة للسقوط، وما يزيد على ثلاثمئة متر مربع تصلح لتنفيذ توجيهات رئيس الحكومة السابق التي قضت بزراعة الحواكير وأسطح المنازل والشرفات..
منذ عدة أسابيع لفتتني نبتة تعرّش وتمتد على مسافة طويلة تتجاوز السطح المتهالك وتستند على عمودي الكهرباء والهاتف عليها ثلاث ثمرات فقط من ليف الحمام التي اقتربت من النضوج..
قبل ذلك بأيام كنت أفكر فعلاً بزراعة عدد من بذار الليف في هذه المساحة في الموسم القادم بعد تجهيز «عرائش» لها والذي زاد من حماسي لهذا المشروع أن ثمن الليفة الواحدة في السوق يتجاوز الـ 1000 ليرة وهي زراعة غير مكلفة لا تحتاج أسمدة ومبيدات وفلاحة وأجوراً لليد العاملة، بل إن مياه الغسيل والجلي والمسح تحقق إنتاجاً متميزاً من الليف..
قال صديقي: إنه مشروع ناجح، وسوف يعطي نتائج اقتصادية باهرة.. !! فسألته باعتباره كان يتحدث بكثير من الثقة إن كانت هناك دراسات أو مشاريع، أو أي شيء يؤكد أن زراعة الليف اقتصادية ومربحة إلى الحد الذي يتحدث عنه فأجاب: لا.. لا يوجد شيء من هذا أو ذاك، لكن ما يزيد ثقتي أننا منذ الصغر نرى هذا النبات يعرّش ويتمدد، يزهر ويعقد ويثمر دون أي جهد أو عناء.. باختصار؛ هو مخصص للمزارع الكسول أمثالك..
«بلعتها» بصمت وسرحت بخيالي، أنتجت أكواماً من الليف البلدي من كل المقاسات الذي «سلخ» جلدنا ونحن صغاراً، وبدأ «مندوبو» أصحاب الحمامات العامة ولجان المشتريات في المؤسسات العامة والوزارات بمراجعتي وحجز كميات كبيرة وبالأسعار التي أحددها..
استغربت أولاً هذا الإقبال، وعندما علمت أن الحكومة مصرة على إعادة تلميع بعض من لطخوا أنفسهم بأوساخ أفعالهم، وأن هذا التلميع يحتاج ليفاً خشناً؛ زال استغرابي وحبست أنفاسي خوفاً من أن تعاد صور بعض هؤلاء إلى الواجهة.. خاصة أولئك الذي فضحتهم أعمالهم عندما كانوا في موقع القرار .. !!؟