هو ضرب من السذاجة أن نعتقد بأن هناك أزمة عقائد تجتاح العالم، وأن الصراع القائم، وانعكاساته اللوجستية على الحياة العامة، ما هو سوى حصيلة صراع ديني موغل في القدم، وأن ثورة الاتصالات الحديثة قد ساهمت بشكل ما في تبلوره بالشكل الذي نسمعه ونراه الآن.
عند مراجعة تاريخ الحروب، واللبنة الأولى التي يبنى عليها أي صراع، ضمناً سرايا الإرهاب التي تشكل الجزء السري والأكثر خطورة وإدانة في سطور هذا التاريخ، سوف نحصل على نتيجة فورية بأن العقائد لم تكن هي الدافع الحقيقي لنشوب أي حرب، لكنها سُخرت، ولعبت في الوقت ذاته دور السلاح الذي يدور في فلكه البسطاء من الناس، وهي الشريحة العاطفية الأكبر في أيّ مجتمع، لدفعهم إلى تقديم ممتلكاتهم المادية والروحية كوقود مجاني من أجل استمرار سيادة المستفيدين الشرعيين من هذه الحرب، والّذين سوف يُكتب التاريخ بأسمائهم العريضة، وهذا لن ينفي دور العقائد -بشكل عام- من أخذ دورها الإيجابي في الدفاع عن بنيتها التحتية، والضامنة أبداً لمكتسباتها التاريخية، والآنية، والمستقبلية، عندما تتعرض لمباغتة جائرة من جيوش أخرى طامحة إلى الانتصار عليها، ومن ثم تجنيد سكان تلك البقعة الجغرافية الذين نالت منهم الهزيمة ما يكفي لنهب ثرواتهم، وتسخيرهم كعبيد لخدمة مصالح المنتصر، إلى حين تستفيق العقيدة في صدورهم، وتدفعهم باسمها إلى التخلص من ربق العبودية تلك، ومن هذه الدائرة المغلقة سوف يبرز إلى السطح دور العقائد، ليس بتشكيل البنية التحتية لأيّ حرب وحسب، بل في الصيغة الاساسية التي سوف يكتب بها التاريخ سطوره الذهبية، بينما يبقى الجانب الاقتصادي – وهو الأهم، والدافع الأساسي والحقيقي لنشوب أي حرب بين الأمم – في منأى عن الصيغ المباشرة ليافطات الحرب.
-لم تأخذ التحالفات بين الدول المتصارعة في الحرب العالمية الأولى، المصالح الروحية، وما تطرحه العقائد الدينية من شعارات في أدبياتها الراسخة والمرحلية بين شعوبها ، فألمانيا تحالفت مع الدولة العثمانية، ضد نظرائها في العقيدة الدينية ( بريطانيا ، فرنسا ، الامبراطورية الروسية )، وأيضاً في الحرب العالمية الثانية فقد تحالفت ألمانيا مع اليابان، بغية بسط السيطرة الاقتصادية على شقيقاتها في القارة الأوروبية، والأمثلة أكبر بكثير من أي عملية إحصائية بهذا الصدد، أما بخصوص ما يُطرح اليوم عن أزمة العقائد، ودور هذه الأزمة في تفشي الإرهاب المعاصر ، فهو (عقيدة جديدة) ، وميديا مستحدثة لإبعاد التهمة – أولاً- عن سماسرة وممولي الحروب ، ووضعها- ثانياً- برقبة المهزوم كأمانة مستقبلية ضامنة لانتصارات الرأسمال الرقمي بأقل الخسائر الممكنة.