مابين المُواطنة والانتماء ..
أصل الكلمة الإنكليزية Citizen – المواطن ينحدر من أصول لاتينية، بمعنى الفرد الذي يشارك في الشؤون المدنية، أما تعريفها – حسب دائرة المعارف البريطانية – فهو علاقة الفرد بالدولة كما يحددها قانون تلك الدولة، بما تتضمنه من واجبات وحقوق فيها، وفي اللغة العربية المواطنة كلمة مشتقة من الوطن الذي يدل على المكان قبل أن تتطور دلالته اللغوية ليدل على الرقعة الجغرافية التي تقوم عليها الدولة (الأرض – الشعب – السلطة السياسية)..
مفهوم المواطنة الحديث متصل بجذور تاريخية قديمة تراكمية، فمفهوم المواطنة خلال الحقبة اليونانية ليس نفسه في فترة العصور الوسطى، ويختلف أيضاً عن الذي عرفته أوروبا بعد الثورة الفرنسية، كذلك يختلف عن المفهوم المعاصر، ولا سيما أن لسان حال المنابر الأمريكية ينضح بفلسفات تنشد الاندماج – حدّ الإحاطة – قدر الإمكان بالجماعات التي تكون متباعدة أصلاً، وتوفر لهم مصدر الوحدة الطبيعية ( العولمة وتأثيرها على الهوية)، وفي ذلك يقول الدكتور علي وطفة: يأخذ مفهوم الهوية على الغالب دور الطريدة، بينما يأخذ مفهوم العولمة دور الصياد، لتصبح الثقافة سلعة عالمية تسوّق كأي سلعة أخرى، ثم بروز وعي وإدراك مفاهيم ووسائط ثفافية عالمية الطابع في محاولة لوضع العالم في قوالب فكرية موحدة، لسلخها عن ثقافتها وموروثها الحضاري، وهذا يؤكد طبيعة النظام العالمي الحالي الذي يضمر عكس ما يظهر من نظريات حقوقية، لأنه في الواقع نظام يتسم بالهيمنة عموماً والأمركة خصوصاً، ويجتهد لتنميط العالم وقولبته وفق رؤية يكون فيها هو المركز والمحور.
والحديث التعريفي هنا عن المواطنة، ومن ثم التطرق للعولمة، مقصود كمدخل لا بد منه ما دام العنوان المواطنة، وبلغة بسيطة لا بد من التنويه بأن المواطنة ليست مجرد حمل جنسية وجواز سفر، بل هي أهداف وقيم يجب أن نعيها اليوم في ظل الجغرافية السورية، بينما المناخ العام ينفض عن سمائه ملوثات الحرب.
فالمواطنة لا تتبلور إلا بعلاقة الفرد مع الدولة وليس بعلاقته رومانسياً بالأرض فقط ، بعيداً عن مفهوم الدولة، ليصبح تراب الوطن والمواطنة شعراً وحسب.
فمع أهمية العامل الوجداني يجب علينا ممارسة المواطنة بالانتماء، والالتزام بتأدية الدور الفاعل والمساهم بتلمس الأخطار، وإدراك الحروب متعددة الأوجه المفروضة على الدولة بشكل عام، ويجب التخلي عن النظرة الأنانية، التي يهتم صاحبها بمصلحته فلا يرى إلا حقوقه فقط، فلابدّ من تغيير مفهومنا المشروط بتلك المعادلة بأن المواطنة وممارستها لا تتحقق إلا في حال تحقق مصالحي فقط!
يجب علينا التسلح بالانتماء ثم الانتماء، وألا تكون المواطنة غاية في حد ذاتها، بل يجب أن تكون وسيلة كلٍّ من موقعه ووظيفته ومسؤوليته لتحقيق النمو والصمود في كل قطاعات الدولة، ولن يكون ذلك إلا بتقديم المصلحة العامة على الخاصة، وتأدية الدور المناسب بحق دولة استُهدفت، ومازالت ميدانياً واجتماعياً واقتصادياً، لذلك يجب التفريق ما بين سلوكيات المواطنة وقت السلم عنها وقت الحرب، وإن ما ننتظره من الدولة من أمن وأمان أيام السلم يجب أن نرده لها وقت الحرب ولاء وعملاً وانتماء، عندها ندرك جميعاً أننا مواطنون حقيقيون، قادرون على ممارسة المواطنة فعلاً لا شعراً وتغنياً من دون عمل جاد وحقيقي، وكأننا نحقق مجازياً فعل المواطنة، مع التأكيد أن المواطنة ممانعة للعولمة.
المواطنة التي يجب أن ينشدها السوري تتجسد بالغيرة على الوطن والمشاركة الفعالة في تحمل المسؤولية لا التملص والهروب منها، والتعاضد لا الانتهازية والأنانية وإشاعة الفساد.. وكفى..