الفن السوري بعد الثورة.. تبدلات كبرى في الأفكار والأساليب

الحرية- زيد قطريب:

اقتفاء أثر معجم الثورة في الفنون، سيكون مهمة نقدية كبرى في المرحلة القادمة. فتبعاً للتجارب العالمية، لا تقتصر الثورات على هيكلة مؤسسات الدولة ورسم ملامح المشهد السياسي، بل تكتسح قواميس الكلمات وعلامات الموسيقا ومعدات الرسم، لتترك أثرها في جميع أنواع الفنون.
على مستوى الفن السوري، ما زال الوقت مبكراً على ظهور الانعطافات المتوقعة في الفنون. فأقل من شهرين على انتصار الثورة، ليس كافياً للاختمار والتقاط الأنفاس وتبديل المعدات. هذا ما حصل بعد الحربين العالميتين، عندما ولدت الدادائية والسريالية، وبالتالي ربما نكون أمام ابتكارات كبرى، تتصدر عبرها سوريا المشهد الفني على مستوى العرب والعالم.
في المعرض الفني الجماعي، المقام في صالة زوايا بدمشق، بمشاركة عدد من الرسامين والنحاتين، كان المختصون يبحثون عن انعطافات مفاجئة، في خطوط اللوحات والألوان، عن فضاءات مغايرة للكتلة والعجينة المستخدمة. هل سيميل الفن السوري نحو التجريد، أم سيفضل الواقعية؟ وهل سيبدو الخيال رافعة العمل الفني، أم ستتولى التقنيات تصدر المشهد؟.
بالطبع، مازال الوقت مبكراً للإجابة على تلك التساؤلات. فانتصار الثورة لم يكمل شهره الثاني، كما أن حجم الانعطاف الحاصل في المشهد وعلى صعيد المشاعر والأفكار، يحتاج وقتاً أطول للاختمار والتأمل، من أجل إنتاج يجيد التعبير عما حصل.
القاعدة نفسها، تصح على الكتابة الشعرية والروائية، فالكتاب السوريون كما يظهرون على السوشيال ميديا، مازالوا مأخوذين بمتابعة الأحداث وتحليل التطورات، لاستكمال عملية اختمار الأفكار والمشاعر، حتى يبدؤوا العمل.
في معرض غاليري زوايا، حضر مجسّمان للفنانة أمل الزيات، مشغولان بالأسلاك المتشعبة والمتداخلة، التي توحي بالتشكل قبل دخول طور الاكتمال. المرأة تعيش لحظة تكوّن أجنحة غير مكتملة، والرجل يبدو مزدحماً بأفكار أخذت شكل الأسلاك الخارجة من الرأس. حالة من العبور، تشبه السفينة السورية اليوم، وهي تصارع الأمواج مبحرة باتجاه الميناء.
المعنى الدلالي نفسه تقريباً، حضر في عمل للفنان مصطفى علي، الذي صور رجلاً يفتح ذراعيه، كأنه يريد معانقة العالم، علامة على المعنويات العالية والتفاؤل، فيما مالت أعمال أخرى إلى تصوير آثار الحرب، والاحتفاء بالجماليات، فيما أوغلت أخرى باتجاه التجريد لتقدم أشكالاً مليئة بالاحتمالات.
يتوقع المهتمون، انقلابات كبرى في المشهد الفني السوري، انسجاماً مع الانعطافات الحاصلة على الأرض. نسألهم إن كانوا متفائلين بالمرحلة القادمة؟ فيجيبون: “بالطبع. لقد عاد التاريخ لدورته الطبيعية، بعد أن سكن أكثر من نصف قرنٍ، في اليأس والاعتياد والتكرار”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار