يحتاج حلولاً إسعافية لإنقاذ المربين والمزارعين.. خبير: الإنتاج الزراعي والحيواني في خطر
الحرية – مركزان الخليل:
ثمة أسئلة كثيرة تفرض نفسها وبقوة ضمن واقع نعيشه جميعاً على مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة سوء إدارة العهد البائد لموارد الدولة الاقتصادية، منها الزراعي والصناعي والخدمي، وهذه الأسئلة تحتاج أجوبة واضحة وصريحة من قبل المعنيين، والعاملين في هذه القطاعات، والتي بدأت إنتاجيتها تتراجع منها بفعل سوء الإدارة وفسادها، طيلة عقود مضت، وأخرى تتعلق بالظروف الطبيعية والمناخية، وصولاً إلى الإجراءات الحكومية الجديدة التي أطلقتها لتخفيف الأعباء عن المواطنين والحالة الإنتاجية على السواء، والتي بدأتها بإعفاءات ضريبية، ورسوم جمركية على المواد الاستهلاكية ومستلزمات الإنتاج المستوردة.
واقع صعب
إلا أن أكثر القطاعات تأثراً بها، القطاع الزراعي الذي وجد صعوبات كثيرة في تسويق المنتجات نتيجة دخول سلع مشابهة تنافسه بالجودة، وحتى السعر .
الخبير الزراعي “أكرم عفيف” أوضح لصحيفة “الحرية” واقع القطاع الزراعي في ظل الإعفاءات الجمركية ودخول منتجات منافسة، وقبلها الإدارة الفاسدة، والإجراءات الواجب اتخاذها لحماية هذا القطاع من تداعيات ذلك، مبيناً أن القطاع الزراعي اليوم في أسوأ حالاته، فالمحاصيل الزراعية قسم كبير منها لم يسوّق، والذي تم تسويقه، لم يسدد ثمنه، كالدخان والقطن، وجزء منها بقي لدى الفلاحين، حيث انخفضت أسعارها إلى مستويات كبيرة، فمثلاً الفستق انخفض من 17 ألف ليرة إلى 8 آلاف ليرة للكيلو غرام الواحد، علماً أن تكلفته هي 15 ألف ليرة، ناهيك بعدم قدرة المزارع على تمويل زراعته، وخاصة المازوت والأسمدة والأدوية وغيرها من مستلزمات، وهذا الأمر ناتج عن السياسات القديمة، أي من النظام البائد، والتي اتبعت سياسة تخفيض الإنتاج الزراعي، وخاصة لجهة سياسة التسعير الخاطئة، ورفع التكاليف، وأسعار حوامل الطاقة، كل ذلك أدى لخسائر المحاصيل الزراعية، واليوم المحاصيل المتوافرة لدى المزارع انخفضت أسعارها بشكل كبير، على سبيل المثال الكمون كان سعره في الموسم الماضي 120 ألف واليوم 20 ألف ليرة للكيلو غرام الواحد، وهذا الأمر ينطبق على باقي المحاصيل:” اليانسون – حبة البركة- الحمص- والفول ….”، حيث كانت أسعارها تفوق 20 ألف ليرة، اليوم تحت سقف 10 آلاف ليرة.
وبالتالي هذه المؤشرات تؤكد سوء الواقع الزراعي، وهذه مرحلة انتقالية، سوف تتحسن مع المرحلة الجديدة، والحالة الإيجابية الوحيدة التي تسجل أن موسم القمح، تم تقديم مستلزمات الإنتاج على شكل ديون مسبقة، الأمر الذي ساعد المزارعين في زراعة مساحات واسعة من أراضيهم.
خطورة المستورد
أما فيما يتعلق بواقع المستوردات الزراعية فقد أكد عفيف خطورة المرحلة لجهة دخول مستوردات مماثلة للمنتجات الزراعية والحيوانية، مثال سعر مادة الجبنة 35 ألف سعر الكيلو الواحد لدى المزارع، واليوم تباع بسعر 20 ألف ليرة بالمفرق، والأخير لديه هامش ربح كبير، نتيجة فتح باب الاستيراد، والحال ذاته على الفروج التركي الذي دخل وبقوة، حيث يباع جاهزاً مقطعاً بأسعار أقل من 25 ألف ليرة، وبالتالي هذه الأسعار ستؤدي إلى خروج المزارعين والمربين من السوق، بسبب الخسائر الكبيرة، وهذا الأمر ينطبق على باقي المواد بسبب الإعفاءات الجمركية، والرسوم الضريبية الجديدة، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار القطاع ومعه آلاف الأسر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وحدوث كوارث معيشية لها، وخاصة في ظل تدهور أسعار الثروة الحيوانية، ولاسيما البقر الذي كان سعر البقرة الواحدة 40 مليون ليرة واليوم، بأقل من عشرة ملايين ليرة، والحال ذاته على الماعز والأغنام ومنتجاتها .
حلول إنقاذية
وأوضح عفيف أن واقع الإنتاج الزراعي والحيواني اليوم ينطوي على مخاطر كبيرة جداً، نتيجة الإعفاءات الجمركية على المنتجات النهائية، وليست على المستلزمات الإنتاجية، وبالتالي نحن نحتاج إلى حلول سريعة وإنقاذية وإسعافية، في مقدمتها تقديم الدعم المالي للمزارع لشراء مستلزماته كالسماد، وتخفيض أسعاره والتي تجاوز سقف الكيس الواحد لدى المصارف العامة 460 ألف ليرة في حين لدى القطاع الخاص يباع بسعر 320 ألف ليرة، والأمثلة كثيرة.
وبالتالي نحن أمام واقع زراعي صعب يحتاج حلولاً جذرية، تمكن المزارعين من الخروج منها، ويمكن أن تكون الزراعة التعاقدية مع الفلاح أحد الحلول الناجحة، والتي تتضمن تقديم التمويل اللازم للفلاح، وتلتزم الدولة باستجرار المحاصيل، وهذا الإجراء معمول به في العديد من البلدان، إلى جانب اتخاذ خطوات أخرى لحماية المنتج الوطني نذكر على سبيل المثال، فرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة والمماثلة، أيضاً العمل على تخفيض تكاليف الإنتاج، وتقديم التمويل اللازم بطرق ميسرة ومريحة للمزارعين، والتي تشجع على بقاء المزارعين، ومربي الثروة الحيوانية في أراضيهم والحفاظ على كرامتهم ومنعهم من الخسارات التي مازالت تلاحقهم.
والأهم أن الاقتصاد السوري يختلف عن باقي الاقتصادات العالمية التي تدار بالندرة والتقتير، والاقتصاد السوري يدار بالوفرة، والزراعة متجذرة فيه منذ آلاف السنين.
وأضاف اليوم الحكومة تطرح شعارات مطمئنة للخروج من هذا الواقع، والوصول إلى تنمية مستدامة تشمل كل القطاعات، وخاصة القطاع الزراعي للوصول إلى منتج زراعي سوري ” محمي ومميز بالسعر والجودة ” وخاصة أن سورية تمتلك كل مقومات ذلك.