حفل تنصيب ترامب.. العالم يتأهب ويشهد ويقر.. ماذا عن الحضور العربي وسوريا؟

الحرية – مها سلطان:

لا تحتاج أميركا إلى حفل تنصيب ترامب ليستدير العالم نحوها، المشهد اليوم يختلف جذرياً عما كان عليه في حفل تنصيب ترامب الأول في عام 2017 حيث كان العالم حينها أو لنقل نصف العالم يتمتع برفاهية الخروج عن المحظورات وتوجيه الانتقادات، بل والعمل على الإطاحة بالزعامة الأميركية، مُسجلاً نجاحات مهمة في أكثر من بقعة جغرافية، وهنا تبرز منطقة الشرق الأوسط بشكل أساسي، بدولها العربية تحديداً.

ما تغير جذرياً اليوم أن العالم هو من يحتاج إلى تسجيل الحضور في حفل تنصيب ترامب، في عودة، أو لنقل في توبة مُعلنة عن حالة الخروج والتمرد التي استمرت خلال ولاية ترامب الأولى، واتسعت في ولاية الرئيس جو بايدن، ووصلت إلى مستويات هددت فعلياً الزعامة الأميركية، كما بدا ظاهرياً للجميع.

ما بين ترشح ترامب للانتخابات الرئاسية بداية العام الماضي 2024 وفوزه فيها في الـ5 من تشرين الأول الماضي، دار العالم دورة كاملة، مستديراً مرة أخرى باتجاه أميركا، وهذا فقط لمجرد توقع أن ترامب هو من سيفوز فيها، فكيف الحال وقد فاز فيها؟.

وما بين فوز ترامب وحفل التنصيب المقرر اليوم الاثنين 20 كانون الثاني الجاري 2025، أي ثلاثة أشهر ونصف الشهر، استطاع فوز ترامب لوحده أن يعيد العالم بالكامل باتجاه أميركا، وهو لم يبدأ بعد ولايته، فكيف سيكون الحال في أربع سنوات قادمة من ولايته؟.. ورغم أن سياساته الداخلية والخارجية مُعلنة بالكامل تقريباً، بل إن بعضها تم تنفيذه فعلياً على الأرض، بصورة استباقية، وبشكل يستطيع من خلاله التعامل مباشرة مع نتائج هذا التنفيذ، مختصراً سنوات من مسارات التفاوض، من غزة إلى أوكرانيا، إلى الصين، وحتى أوروبا نفسها، وحلف الناتو الذي يجمعها مع الأميركي.. رغم أن هذه السياسات مُعلنة إلا أن ترامب يحافظ على مسألة كونه لغزاً في كيفية تطبيق المرحلة الثانية من هذه السياسات، فمع ترامب كل السيناريوات واردة حتى تلك التي لا يمكن توقعها بالمطلق على مستوى العلاقات الدولية، مع الحلفاء والخصوم على السواء.

وعليه فإن العالم يتأهب لحفل تنصيب ترامب أكثر من الأميركيين أنفسهم، خصوصاً وأنه من حفل التنصيب نفسه يستطيع العالم قراءة الكثير جداً من المشهد الأميركي/العالمي المقبل. يكفي أن نلفت إلى استعراض القوة الاقتصادية (حضور عمالقة المال والأعمال والتكنولوجيا/ وحجم التبرعات للحفل والتي وصلت إلى مستوى تاريخي بـ177 مليون دولار) التي حرص ترامب على إظهارها، وعلى إظهار إجماعها عليه لتأكيد أن الزعامة الأميركية لا يمكن لأحد أن ينال منها، أو يستطيع هز عرشها، لقد بدا ترامب خلال الأشهر الأربعة الماضية أنه قادر فعلياً على صنع المعجزات.

هذا ونحن لم نتحدث عن الحضور السياسي، ممثلاً بقادة وزعماء ومسؤوليين، حرص ترامب أيضاً على انتقائهم بصورة تعزز المشهدية التي يريد إظهارها، لناحية الزعامة الأميركية من جهة، ولناحية تأكيد زعامته من جهة ثانية.
وفي إطار الحديث عن الحضور والمشهدية السياسية، لا يُستبعد أن يكون هناك مفاجآت على هذا المستوى. وإذا كنا نعرف الكثير من الحضور السياسي بمستواه الدولي، إلا أن الحضور العربي هو محط ترقب وتركيز عالمي، في ظل ما شهدته منطقتنا من تطورات دراماتيكية في أهم دولها، وأكثرها تأثيراً في الخريطة الجيوسياسية/ اقتصادية التي تريدها أميركا.. على خط غزة- لبنان- سوريا.

وعليه فإننا في المنطقة معنيون بصورة مباشرة وحتمية بولاية ترامب، وإذا ما قلصنا الدائرة فإننا في سوريا لا بد أن نكون الأشد اهتماماً وترقباً، حيث تقع سوريا في قلب هذه الخريطة بقيادتها الجديدة، بل هي محورها، وإذا ما كنا سمعنا خلال السنوات الماضية، وما زلنا نسمع، عن معادلة «المنطقة سلة واحدة» أي أن الحل (بمعنى الاستقرار) يجب أن يكون شاملاً، وليس في كل دولة على حدة، فإننا نستطيع فهم أن تكون سورية محور هذه الخريطة، فمع سقوط النظام السابق وبروز سوريا الجديدة والانفتاح الدولي المستمر عليها، وما يشكله كل ذلك من تغيير في خرائط المنطقة السياسية، وتالياً الاقتصادية (وهنا التركيز الأساسي) فإن المتوقع في عهد ترامب كثير جداً وبما يقلب فعلياً وجه المنطقة، باتجاه مسارات عالمية جديدة كلياً (أميركية طبعاً).

هناك إجماع على أن تطورات المنطقة في الأشهر الستة الأخيرة، كانت مفاجئة جداً، وبما لم يكن لأحد أن يتوقعها، بمن فيهم جهابذة التحليل السياسي والعسكري والاقتصادي على مستوى العالم. لقد وقف العالم مشدوهاً مشدوداً إلى كل التفاصيل، وما وراء التفاصيل، وآخرها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي يفترض أنه دخل اليوم الأحد حيز التنفيذ.

وعليه فإن ترامب في ولايته الجديدة سيسير على طريق مُمهد كلياً في منطقة هي الأعقد والأكثر استعصاءً عالمياً بأزماتها المزمنة، وفي منطقة هي مفتاح كل صفقة عالمية كونها مقراً وممراً لأهم مناطق الطاقة في العالم، وفي منطقة تعد السيطرة عليها أعظم المكاسب الأميركية، وتكاد جميع دولها تتساوى في الأهمية، العربية منها وغير العربية، الحليفة منها لأميركا والمعادية لها، إلا أن لسوريا دائماً ترتيب مختلف في الخرائط، وهي اليوم بقيادتها الجديدة الأكثر أهمية، وستكون محط تركيز ترامب، رغم قلة حديثه عنها، واحتفاظه حتى الآن بعدم الكشف عن سياساته تجاهها، وقد يكون ذلك متعمداً، إذا ما نظرنا إلى مشهدية الخصوم والأعداء ما بعد سقوط النظام السابق، خصوصاً عندما نتحدث عن إيران.
ودائماً غداً لناظره قريب، بل قريب جداً هذه المرة.. لننتظر ونرى.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار