الصحافة السورية تتنفس الحرية
مر شهر على سقوط الخوف الذي كان يسكن عيون الصحافة السورية والصحفيين الذين رأسمالهم الكلمة والقلم، ومع تلاشي ثقافة الرعب التي استحكمت النفوس لستين عاماً، لا نريد حالياً استبدالها بثقافة التمييز وفقاً لمقياس المساهمة في الثورة والتحرير في الانتصار على حقبة الديكتاتورية وعصر البعث المشبوه، لتطفو على الساحة الإعلامية السورية تصنيفات مستحدثة يروج لها، كإعلاميي الثورة وإعلاميي الردع وإعلاميي النظام البائد، وذاك صحفي موالٍ والآخر معارض، وهذا التقسيم ليس صحياً من قريب ولا من بعيد لما يفرزه من تفرقة لا داعي لها وإعلام وطني ممزق.
كثر هم الصحفيون الذين لم يطبِّلوا و”يزمِّروا” لنرجسية الحاكم المستبد ونظامه السادي ونهجه المريض، بل كانوا أصحاب أقلام ضاغطة تنتقد الواقع الاقتصادي والمعيشي المزري حتى باتوا ظلاً ثقيلاً على هذا النظام وأدواته.
القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع التمس عذراً للإعلاميين المحسوبين على النظام الساقط، وتعهدت إدارته بحمايتهم، رافضاً أي مساس بأحد منهم لأنهم كانوا مجبرين على ما يقولون.
والحق يقال على حد علمي ومعرفتي، لم يتعرض أي صحفي أو إعلامي ولو بكلمة سوء تسبب أذىً نفسيا له.
بالمقابل، نحتاج اليوم أن نقلب صفحة الماضي البائس، حيث تقاسمنا جميعاً الوجع من الظلم، وأن نذهب معاً إلى سورية المستقبل بلا أدنى تمييز بين مواطن وآخر، فالأب الذي يميز بالمعاملة بين أبنائه ينتج إخوة كارهين لبعضهم ومشتتين.
وعليه ينبغي على الصعيد العملي الدمج بين كل الخبرات وتهيئة البيئة الإعلامية المناسبة وإتاحة الفرص للطاقات الإعلامية الواعدة والالتزام بأخلاقيات المهنة وما يسمى بميثاق الشرف الإعلامي كي نرتقي بإعلامنا، ويكون منفتحاً يتنفس الحرية والكرامة بعد حقبة سوداء في تاريخ الصحافة السورية.
كذلك نتمنى ممن يتسلمون زمام أمور الإعلام الوطني إزالة حلقات التضييق التي كانت مفروضة على الصحفي وتعوق وصوله للمعلومة، واختصار عدد حراس البوابة الإعلامية لأي مؤسسة كي تبصر المادة الصحفية النور بانسيابية دونما تأخير وتشويه بحذف أو شطب أو تعديل لا يضيف إليها شيئاً، وصولاً إلى إنجاز العمل الإعلامي بطلاقة وحرية بعيداً عن المزاجية في نشر المواد الصحفية وصولاً إلى رفع عوائد هذه المواد التي كانت شبه مجانية لا تساوي ما يصرفه الصحفي من جيبه كي ينجز مادته التي لم تكن رغم هشاشة مردودها المادي تخلو من الضريبة، وبلا أي مقابل مادي أو معنوي للصحفي من اتحاده، الذي لم يستطع خلال النظام السابق أن ينتشل الصحافة من كونها أفقر المهن وأكثرها معاناة
اليوم دخلت سوريا عصراً جديداً، نأمل فيه أن نشهد قريباً مرحلة فيها تفاؤل، عنوانها إعلاميون أحرار في سوريا الحرة.