والبيئة مادة متنوعة جداً وغنية.. “مسلسل البيئة” مصطلح فضفاض وغير دقيق!
تشرين- حلا خيربك:
ارتبط مسمى أو تصنيف (مسلسل البيئة) بمسلسل “البيئة الشامية” الذي تمّ اختصاره أخيراً بالبحرة والبيت العربي وبعض النساء اللاتي ترتدين مصاغاً ذهبياً وتولولن.. واستعارة أحد المسميات القديمة كعنوان جذاب وقصة ذات حبكة بسيطة وساذجة! وحتى أصبح يمكن لكاتب أميركي مثلاً بعد إعطائه هذه الكليشية والقواعد أن يكتب مسلسلاً شامياً!
وانتهى الأمر إلى ما هو عليه بسبب العرض والطلب للقنوات المنتجة والتمويل لهذه النوعية من المسلسلات وتعدد أجزائها، فأصبح مسلسل البيئة الشامية مادة لابدّ من حضورها على المائدة الرمضانية.
خطف خلفاً
لكن بالعودة للخلف والنظر في نشأة هذا النوع وهو غير مقتصر على البيئة الشامية، نجد أنّ الالتصاق بالبيئة والحياة السورية والمعرفة بها ومحاولة نقلها بواقعية بعيداً عن التزييف كان سبب قربها من الناس وتحقيقها ذلك النجاح والانتشار.
البداية لم تكن شامية فقط
كانت البداية مع مسلسلات: أيام شامية، وحمام القيشاني، ومن ثم حضر بقوة مسلسل البيئة الحلبية عدة سنوات ثم تراجع لكنه احتفى باللهجة والعادات الحلبية، مثل: خان الحرير ، وباب الحديد، وسيرة آل الجلالي، لكن غياب الطلب وتغير آلية العرض والطلب تسبب في تراجع الكتّاب.. ليعود (مسلسل البيئة) إلى وظيفته وشكله الحقيقي مع مسلسل: “الزند” ومسلسل “تاج”. حيث تمّ توثيق مرحلة تاريخية ضمن بيئة محددة.
العتب على الكتّاب
وبدلاً من لي عنق القصص والحبكات لتدور حول البحرة وباللهجة الشامية، لماذا لا يغني الكاتب إنتاجه ويبحث في تاريخ وعادات وقصص مدينته، ولاسيما أنّ سورية تضم عاداتٍ ولهجات خاصة بكل منطقة جميلة جداً ، وقد لا يعرف السوري نفسه عنها شيئاً.. وقد شاهدنا كم كانت اللهجة والمكان وبعض العادات جذابة في مسلسلي “الخربة ” وضيعة ضايعة” ، وكم لمدينة حمص من الخصوصية الشديدة للتعرف بها من خلال كتّابها بالدرجة الأولى ، أو مدينة النبك تحديداً والتي لها لهجة خاصة جداً وطريقة في مجالس المتة والتجارة التي تعتمد على القوافل والتعامل مع المنطقة الباردة جداً شتاء وعادات الزواج لديهم، أو حياة وتاريخ جزيرة أرواد مثلاً وعاداتهم اليومية، ألا في يوجد في مدينة طرطوس كاتب طرطوسي، لفتت انتباهه خصوصية الحياة على هذه الجزيرة!
أو مثلاً لماذا لم نشاهد مسلسلات عن جهات المناطق الشرقية في الدراما السورية؟.. يقول الكاتب خالد خليفة رحمه الله في أحد حواراتنا معه، بأنه كتب مسلسل (سيرة آل الجلالي) ولم يجد له مُنتجِاً وبقي في أدراجه أربع سنوات، كتب خلالها عدة مسلسلات قبل أن يجد “سيرة آل الجلالي” إنتاجاً، وإنما كتبه لكونه كان عليه ذلك، آمن بقصصه وشخصياته وقدم حلب من خلاله، وفعلاً في النهاية وصلت الرسالة! وحتى اليوم مازالت البيئة الحلبية مادة غنية، وهو الأمر الذي يجب على كتّابنا ملاحظته، أي أن تكون المادة الدرامية المعدة تقدم شيئاً جديداً، وتحمل رسالة .
نقطة تحول
يبدو أن هناك نقطتي تحول واضحتين في تطور مسلسل البيئة حديثاً، النقطة الأولى هو مسلسل “وردة شامية” الذي اقتبس قصة الجريمة المتسلسلة الحقيقية والمعروفة لـ(ريا وسكينة) والتي وقعت في مصر وأتى بها ووضعها ضمن الحارة الدمشقية، كنوع من التحدي والتجديد، بسبب فراغ هذا النوع واستهلاكه حتى النهاية، فأتى هذا المسلسل “وردة شامية” كانقلاب على النوع نفسه، ودليل على انتهاء صلاحيته، لأن الهدف الرئيس بعد المتعة في المشاهدة والتسلية لهذا النوع كان التمسك بعاداتنا وتقاليدنا والعودة لهذه الأيام والبيوت الطيبة التي من المفروض هي بيوت أجدادنا وتراثنا، حيث كانت هذه الحارات الضيقة والمغلقة على بعضها درع حماية لبعضها وناسها وجيرانها، فتحولت عند هذا المسلسل لتصبح مأوى الشرور والجريمة، والفضائح والعيوب المختفية خلف تلك الأبواب! وكل ذلك كنوع من التجديد.
ومن ثم بعد سنوات يأتي مسلسل “الزند” الذي هو ذروة واضحة أو تمرد أو نقطة تحول ضمن هذا النوع نفسه والذي هو مسلسل البيئة، وذلك بالانتقال إلى بيئة أخرى، بقصة واضحة ذات بطل شعبي، ضمن بيئة معينة وزمن معين، كتأكيد على الحاجة للانتقال بالبيئة والتجديد لتعود زمام الأمور إلى يد صانعيها ويكون صاحب المنتج نفسه يصدر الحاجة له ليكون مطلوباً، فالقصة ابنة البيئة والمجتمع الخاص بها، وكلما كانت أكثر ارتباطاً به، شاعت وانتقلت .