يوم عادت “دقوا عالخشب يا حبايب” إلى الواجهة… فماذا عن زمنٍ بأكمله؟
تشرين- لبنى شاكر:
عام 2017، ومع انتهاء مباراةٍ جمعت مُنتخبنا مع نظيره الإيراني في مشوار التصفيات المؤهلة للمونديال آنذاك، استرجعت فضائياتٌ وإذاعاتٌ سورية، الأغنية الأشهر لصاحبها الراحل عصمت رشيد والأكثر شعبية أيضاً في زمن مضى بين مُحبي كرة القدم «دقوا عالخشب يا حبايب»، أمّا اليوم فيمكن القول إنّ أعواماً مضت منذ سمعنا هذه الأغنية للمرة الأولى، قبل أن تغيب شيئاً فشيئاً عن وسائل الإعلام مع صاحبها الذي غادرنا قبل أيام، لتصبح جزءاً من ذكريات التلفزيون السوري كما تسميها إحدى صفحات الفيسبوك.
باللهجة السوريّة
حالة الغياب الطويل عند أسماء، والتغييب عند أخرى، شملت أسماءً فنية كبيرة من جيلٍ سابق، مضى بعض أبنائه ومازال آخرون بيننا، أمثال الفنانين: نعيم حمدي، فهد بلان، دريد عواضة، فؤاد غازي، معن دندشي…. غابت أصوات هؤلاء في الإذاعة أو التلفزيون، وصُنفوا فنّاً قديماً رغم ما صنعوه في زمن صعب، كان عليهم أن يُثبتوا موهبة حقيقية، أبعد ما تكون عن مفهوم التسويق الدارج، والذي كان سبباً لتمرير الكثير من الابتذال والبهرجة.
لم تكن الأصوات ولا الأساليب متشابهة كان ذلك عيباً ينتقص من قيمة المطرب وأهمية حضوره
أبناء الجيل السابق من أولئك، قدّموا باللهجة السورية تحديداً، نماذج غنائية منوعة بين الاجتماعي والوطني والعاطفي، منهم من احترف الموال والعتابا، بينما برع آخرون بألوان أخرى، بعيدة عن اللحظية والاستسهال، فلم يكن مقبولاً في أيامهم الخلط بين فنان وآخر، ولم تكن الأصوات ولا الأساليب متشابهة، كان ذلك عيباً ينتقص من قيمة المطرب وأهمية حضوره.
نسخٌ متشابهة
بدأ تراجع المستوى الفني مع إلغاء ما كان يسمى لجنة المنوعات في الإذاعة والتلفزيون، المعنية بإذاعة الأغاني وانتقائها، ومع مرور الوقت صار التدني حالة شبه عامة، بل إنّ الأمر أصبح مرهوناً باعتباراتٍ أخرى، والبعض بطبيعة الحال لم يجد حرجاً في التسول والتملق ليظهر في حفلة أو لقاء إعلامي استجداء للشهرة، واستمر التدني مع اتجاه العديد من الفنانين نحو اللهجات المصرية والخليجية واللبنانية، من دون أن ننسى فقدان كبار الملحنين والكتاب أمثال: محمد محسن، عبد الفتاح سكر، عدنان أبو الشامات، عمر حلبي، مسلم برازي، فوزي المغربي، وغيرهم، من دون أن تظهر أسماءٌ معادلة حتى اليوم، حتى لم يعد لأغنيتنا ما يميزها، تالياً صار فنانونا نسخاً تشبه بعضها، ينجح أحدهم في لون ما، ثم يقلده البقية وهكذا، بالطبع هؤلاء أصبحوا نجوماً في سماء الفن السوري كما تصفهم وسائل إعلامية، يتقاضون مبالغ هائلة لقاء حفلاتهم، في حين لا يُتاح للبقية من فناني الجيل الأسبق الظهور أكثر من ربع ساعة في حفلة جماعية.
ليس سراً
حال الأغنية في بلدنا ليس سراً، لدينا تاريخٌ فنيٌّ متروكٌ للأدراج، تسجيلاتٌ وحفلات يحكمها المزاج والمناسبة، لا أحدَ معنياً بها، تغيب عنها الشركات الإنتاجية الداعمة ولا تجد لها مكاناً في الإذاعات الخاصة إلّا ما ندر، ومع غياب المهرجانات المخصصة للأغاني المحلية، كان لزاماً أن تفقد أغنيتنا هويتها الخاصة، يكتمل ذلك بالتغاضي عن وجود قانون لحماية الملكية للأغنية السورية، يضمن حقوق أصحابها وينظم بثها.
لدينا تاريخٌ فنيٌّ متروكٌ للأدراج، تسجيلات وحفلات يحكمها المزاج والمناسبة
يُقال إنّ الراحل سهيل عرفة، دعا نقابة الفنانين في أيامه الأخيرة، لإيلاء الأغنية مزيداً من الاهتمام، بإقامة مهرجان تحت عنوان «ذاكرة الأغنية الوطنية السورية»، إحياءً لتراثنا بأصوات شابة، ومحاولة لنشر الأغنية الوطنية الجادة والملتزمة، لكن يبدو أنّ نداءه لم يجد صدىً حقيقياً، ولم يكن له ما أراد، والغريب أيضاً في السياق نفسه، أن الأصوات السورية التي تُحقق نجاحاً وشهرة في برامج المواهب والأصوات خارج أراضينا، سرعان ما تنضم إلى قائمة الغياب والتغييب.
لا يوجد قانون لحماية الملكية للأغنية السورية، يضمن حقوق أصحابها ويُنظّم بثها
ستنجح مُجدداً
رحل عصمت رشيد، وكل ما نرجوه أن يكون للمُنتخب إنجازات تسمح لمحبي كرة القدم من الشباب، بالتعرّف على “دقوا عالخشب يا حبايب” بعد قطيعة طويلة معها، ونثق بأنها ستنجح مجدداً في كسب محبة الجمهور وإعجابه، ليس فقط لأن معظم ما قدمه الفنانون في مجال الأغنية الرياضية خلال السنوات الماضية ظل قاصراً عن مجاراة ما فيها من حماس وبساطة يحبها السوريون، إنما لأنها تحمل لهجتنا التي نُعرف بها أينما كنّا. على أمل أن تُنقذ مناسبات قادمة أغانيَ وفنانين آخرين، فلا شيء يُوحي بتغير في حال الأغنية السورية وذهنية المعنيين بأمرها.