“1500 كيلو واط” مشروع شبابي طموح يحول مبنى قديماً في “كهرباء حلب” إلى قلب نابض بالثقافة والفن
تشرين – أنطوان بصمه جي:
من إحدى صالات شركة الكهرباء في حلب، يطل مبنى عريق كان يوماً ما شاهداً على عظمة الصناعة المحلية.
اليوم، ومع لمسة من الإبداع وإرادة فئة الشباب، يتحول هذا الصرح الشاهق الذي تأسس عام ١٩٢٨ إلى نبض حيوي يفيض بالحياة والفن والثقافة، من خلال إطلاق مبادرة قدمها مجموعة من الشابات والشباب المبدعين، ليولد مشروع ثقافي طموح يحمل اسم “1500 كيلو واط” ليعيد للمكان بهجته ولتتداخل أنفاس الماضي بالحاضر.
في هذا المعرض الفريد، يعيد الشباب الحياة إلى المبنى المتوقف عن الخدمة، ويحوّلون قاعاته الصامتة إلى مساحة تنبض بالحياة. وها هو يستضيف هذا الأسبوع، “أسبوع الثقافة الحلبية“، احتفاءً بتراث المدينة العريقة وتاريخها العريق. تتجول بين أركان المعرض، فتجد نفسك منغمساً في عالم من النكهات الأصيلة، حيث أيدٍ ماهرة تحضر أشهى المأكولات الحلبية التقليدية، والأصوات العذبة تعانق أذنيك بألحان الموسيقا الشرقية الأصيلة، بينما تتجول عيناك بين لوحات فنية تعكس روح المدينة وأهلها. وعلى رفوف المعرض، تتراص المنتجات التراثية الحلبية، شاهدة على حرفية أجداد وإبداع أهالي المدينة.
“1500 كيلو واط” ليس مجرد معرض، بل هو مشروع طموح يهدف إلى إعادة تأهيل المباني المهجورة وتحويلها إلى مساحات إبداعية، تساهم في تنشيط الحياة الثقافية والفنية في المدينة. إنه مشروع يثبت أن الشباب هم عماد المستقبل، وأن لديهم القدرة على تغيير الواقع وتحويل الأحلام إلى حقيقة.
وكشف مؤسس وشريك مجموعة أورشينا للتمكين الثقافي صاحبة المبادرة آرام حبشيان لـ “تشرين” بداية أن فكرة فعالية 1500 كيلو واط نشأت من أهمية ومكانة حلب في التراث العالمي والتي لم تتزعزع في قلوبنا رغم كل التحديات والصعاب خلال سنوات الحرب وتجسيد كل هذا ضمن تظاهرة مصغرة تشبه مثيلاتها عالمياً.
وتعد فعالية 1500 كيلو واط أول فعالية تنفذها مجموعة أورشينا للتمكين الثقافي (تأسست قبل ثلاثة أشهر) بهدف صون الهوية المحلية والثقافية وتمكين عناصرها ودعمها وحمايتها من العولمة وما يروج له في الإعلام الدولي.
وأضافت حبشيان: في بلد مثل سورية لديها موارد متعددة، ولاسيما الموارد البشرية يتوجب إقامة فعالية مماثلة، فتم التواصل مع أصحاب الأعمال والمشاريع الإبداعية من خلال مواقع التواصل للخروج بتظاهرة ثقافية نوعية تدعم الإبداع وصناعة المساهمين في الحفاظ على التراث وأركانه.
بدوره، أوضح يمان ناجح مؤسس وشريك في مجموعة أورشينا للتمكين الثقافي أن الفعالية تسلط الضوء على الحرف التراثية التي أبهرت سورية العالم بها وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من صورتها وبريقها وعليها تمت دعوة أصحاب تلك الحرف للاشتراك في الفعالية لعرض المنتجات منهم بشكل مجاني ومنهم من أراد تشجيع هذه المبادرة من خلال تقديم التبرعات عوضاً عن الاشتراك المأجور.
وأردف ناجح : تعمل مجموعة أورشينا وفق مبدأ تدوير الدخل المادي من خلال تخصيصه لدعم المواهب الفريدة في مجال التراث الوطني ودعمها وفتح المجال لها وتقديمها للجمهور، ولاسيما الفنانين الشباب في طريقهم لتأسيس مشاريع فنية وإبداعية ضمن مجالات مختلفة.
بدورها، بينت الفنانة التشكيلية علا العجيلي المشاركة في حرفة تصنيع وتصميم الإكسسوارات والمجوهرات: “أن مشاركتها كفنانة متحيزة لكل نواحي الفن والثقافة، فالمبادرة الشبابية تشكل حاضنة للفن بمختلف أشكاله سواء كان فناً تشكيلياً، تصويراً ضوئياً و حوارات مباشرة مع الجمهور أم فن الطبخ، وعرض الحرف اليدوية على أساس أنها قيمة فنية، وكذلك المتلقي هو مختلف عن الزائر لمعرض تجاري لأنه يستفسر عن آلية تصميم المعروضات وارتباطها بتاريخ مدينة حلب أو علاقتها بالفن وليس من رؤيته على أنها سلعة تجارية وإنما كحرفة يدوية قد تزول، فالمحافظة عليها أمر واجب.
ولأن المبادرة تفرد في ذاكرة المدينة وهويتها، كان لمحمد معمار مساحة لعرض منتجات الصابون الغار الذي بيّن توارث المهنة من الأجداد، والتي تشتهر بها المدينة منذ 4 آلاف سنة ويكشف مدير التسويق في شركة بيوبيبار عن سر المنطقة الجغرافية التي لعبت دوراً في نجاح صناعة الصابون، وكشف عن توارث أربعة أجيال للمهنة فاختص الجيل الأول بصناعة الصابون الغار المعروف ثم تخصص الجيل الثاني بإعادة تكريره وخلطه مع الزيوت العطرية، أما الجيل الأخير تفرد في صناعة الشامبو والكريمات وعطور الجسم، مضيفاً : إن المشاركة نبعت من أهمية مخاطبة جيل الشباب والتذكير بالصناعة التراثية وارتباطها بالهوية الثقافية للمدينة التجارية والحفاظ على المهنة من الاندثار.
يذكر أن مبادرة “1500 كيلو واط” تستمر لمدة شهر ونصف الشهر، وهي بمثابة احتفال بالهوية المحلية المتمثلة بالفن والثقافة والتراث والحرف اليدوية، واكتشاف كنوز المدينة الخفية.
تصوير ـ صهيب عمراية