أعددنا مشروعاً لإنشاء الشركة العربية القابضة لإنتاج وتسويق المنتجات الجلدية.. الأمين العام لاتحاد الصناعات الجلدية العربية يكشف خفايا ضعف التجارة البينية العربية
تشرين – سامي عيسى:
من منا لا يحلم بتجارة بينية عربية تلبي طموحات المواطن العربي على امتداد جغرافيته، ومن منا لا يحلم باقتصاد عربي قوي، يحاكي هذه الجغرافية، ومن منا لا يحلم بصناعة متكاملة تكون القوة الاقتصادية الفاعلة التي تحقق التنمية الشاملة والمستدامة من جهة، كما تكون مساهماً كبيراً في تحسين مستويات الدخل، ومساحة واسعة لجو من المنافسة، تفرضه طبيعة المنتجات الموحدة في الأسواق المحلية والخارجية، وغير ذلك من الأسئلة التي تراود عقل كل مواطن عربي..؟
هذه الأسئلة وغيرها حملتها “تشرين” ووضعتها في جعبة الأمين العام للاتحاد العام للصناعات الجلدية العربية شريف أحمد الحسن للحصول على بعض الإيضاحات التي قد تؤمن القليل مما يريد معرفته المواطن العربي عن واقع الصناعة الجلدية العربية، والتجارة البينية التي كانت ومازالت الهدف والغاية والأمنية لكل مواطن..
تفاؤل مشروط ..
“الحسن” بدأ حديثه بتفاؤل مشروط، بحسن النوايا والرغبة في التنفيذ، للكثير من القرارات التي تمخضت عن قمم عربية واجتماعات سابقة تتعلق بالشأن الاقتصادي العربي، والتجارة البينية، وكيفية تفعيلها، مؤكداً أنه على مدى عقود مابرح المهتمون بالشأن الاقتصادي العربي الشكوى من ضعف التجارة البينية العربية التي لم تتجاوز في أحسن الحالات نسبة 10% .
حيث كان المنتجون العرب، “ومنذ عقود” يشكون ويئنون من قلة حيلتهم وانعدام وسيلتهم للانتصار في ساحات التصدير البينية وغير البينية، وأبعد من ذلك الانتصار على القرارات في مختلف الدول العربية التي أكثرت من الأقوال والوعود دون أي تطبيق على أرض الواقع.
التجارة البينية العربية محكوم عليها “بالفشل” لاعتمادها معايير النسبية في المنافسة والأنشطة الاقتصادية المتشابهة
فبقيت معاملة المنتجين كمصدر للجباية والضرائب، بينما معاملة المستوردين كأولياء نعمة للناس يؤمنون لهم احتياجاتهم من سلع أساسية وكمالية.
وعلى مدى عقود مازال المواطن العربي يدفع ضريبة هذا الانفصام الواضح في الشخصية الاقتصادية إلى الدرجة التي تصاعدت فيها هذه الضريبة لتنتقل بالشباب العربي من مرحلة البطالة والإحباط إلى مرحلة الانجراف في دوامات العنف والجريمة عندما لا يتمكنون من الهجرة، وما يحدث اليوم على ارض الواقع أكثر بكثير مما ذكر …
سياسة الإحلال
إذاً هذا الحديث يقودنا لأسئلة كثيرة هي محور اهتمام كل مواطن في مقدمتها الأسباب التي أوصلت التجارة البينية العربية الى هذا المستوى من الضعف والتراجع في الكم والحجم وحتى القيمة..؟!
دخول موضوعي “للحسن” في ذكر الأسباب والتي حددها في مجموعة نقاط أساسية: منها سياسة “الإحلال محل الواردات” وبما أن التجارة هي أن تبيع ما هو متوافر لديك، لمن لا يتوافر لديه ذلك، فإن أفق التجارة البينية العربية محكوم حتى الآن بالفشل، لأن جميع البلدان العربية رفعت شعار (الإحلال محل الواردات) أي إنها حاولت بطريقة أو أخرى أن تكتفي كل منها بالسلع الأساسية دون مراعاة المزايا النسبية والتنافسية لهذه البلدان، وهكذا أصبحت كل من هذه البلدان مهتمة باستنساخ أنشطة اقتصادية متشابهة، حيث إن السوق المحلية لأي منتج عربي، لا تسمح لهذا المنتج بالتطور والنجاح في المنافسة.
وبدلاً من اعتماد التكامل واستغلال المزايا النسبية تم اعتماد أسلوب التنافس والتنافر، فلا الدول العربية استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولا هي استطاعت النجاح في صناعاتها، بل أصبحت هذه الصناعة عبئاً ثقيلاً على كاهل الحكومات.
والأخطر ما يتعلق بقطاع التصدير البيني وغير البيني فهو نشاط يقوم به منتجون عرب بشكل مباشر أو عبر شركات وسيطة وذلك لمنتجاتهم التي تحقق المنافسة في المواصفات وفي الأسعار. وبما أن تشتت الصناعة والزراعة العربية لا يسمح بتحقيق أي من الشرطين السابقين، فإن المواعظ والتوصيات والتمنيات هي أعجز من رفع أي معدلات للتصدير أو زيادة التجارة البينية.
غياب المنتج عن مطبخ القرار
لكن ماذا عن أهل القرار، وصناعه وما دورهم في وضع الخطط والرؤى في تجاوز كل ذلك، أليس هناك تقصير واضح في هذا المجال يدفع باتجاه إثارة حفيظة الناس حول ما يحدث وسيحدث لاحقاً..؟!
غياب أهل الإنتاج عن مطبخ “القرار الاقتصادي” واتباع سياسة نقدية بعيدة عن الواقع يوسع دائرة الفشل وزيادة مشكلات التصنيع والتسويق
يرى “الحسن” أن تصدير المنتجات في كل بلدان العالم، هو خلاصة السياسات الاقتصادية والثقافية والإنمائية لكل مجتمع، وهو الهدف المعلن أو غير المعلن لكل الإجراءات والتحركات من أعلى الهرم السياسي حتى أصغر خلية في المجتمع.
ونرى كيف أن البلدان الناجحة تصديراً تتفنن في إرضاء المنتجين الصناعيين والزراعيين والخدميين وتتفنن في وضعهم في مراتب عليا من الناحية المعنوية وتجهد في تسليمهم زمام مطابخ صنع القرارات الاقتصادية لا بل السياسية، بينما ومع شديد الأسف، نرى أن معظم البلدان العربية همها من المنتجين الضرائب وإبعادهم عن مطابخ صنع القرار الاقتصادي الذي يخصهم، دون تجاهل السياسة النقدية المتبعة، حيث يتفنن كل بلد صناعي بالتحايل لتخفيض قيمة عملته دعماً للتصدير وللصناعة وللخدمات. في حين تبقى السياسات النقدية العربية سياسات بعيدة عن التطور ومواكبة السوق.
ضعف اللوجستيات
إذاً أنت تقصد في هذا الكلام أن هناك سياسة يمكن تسميتها” بالأبواب المغلقة” لكل دولة في طريقة معالجتها للمشكلة، وحتى في فرض حلولها المناسبة..؟!
المراقب للنشاط الاقتصادي العربي يرى ضعفاً شديداً في لوجستيات النقل والانتقال والاتصال والتواصل بين الفعاليات الاقتصادية العربية، وبالتالي ربما يكون مشروعاً الجدل حول السبب والنتيجة بين النقل وبين المنتجات الجاهزة للتصدير، فهناك من يقول” وهذا الأرجح” إن وجود بضائع جاهزة للتصدير بين المدن العربية يوجد تلقائياً، ودون عناء اللوجستيات المناسبة والناجحة للنقل والبضائع إلى أي مقصد عربي، مهما كان نائياً، ويرون أن وجود هذه اللوجستيات دون وجود بضائع مطلوبة، أو جاهزة يعني فيما يعني هدراً وعملاً ليس ذا جدوى، خصوصاً أن الحكومات قد تخلت إلى هذا الحد أو ذاك عن امتلاكها لهذه اللوجستيات، بينما هناك من يرى أن غياب هذه اللوجستيات هو السبب في وهن التجارة البينية العربية.
واعتقد جازماً أن ذلك غير صحيح، بدليل غياب التجارة البينية بين الدول المتجاورة التي لا تفصل عواصمها عن بعضها سوى عشرات الكيلومترات.
إضافة لذلك، فإنه من المخجل والمحرج لرجال الأعمال العرب وقوفهم وانتظارهم لأسابيع وربما أشهر على أبواب السفارات العربية للحصول على تأشيرة دخول لهذا البلد أو ذاك، دون نسيان القمم الاقتصادية وغير الاقتصادية و العادية والاستثنائية وجميع مؤتمرات رجال الأعمال التي حظيت برعايات رسمية على أعلى المستويات وخلصت بتوصيات براقة وخلابة، فإن ذلك لم يحرك ساكناً حيال ذلك، بل على العكس فقد ازدادت الإجراءات إرباكاً، والذي ساهم في تفاقم الوضع أيضاً إهمال اتفاقية تحرير التجارة العربية، وعدم تحصينها من عوامل الفساد والإفساد .
واقع تجارة صناعات الجلديات العربية
بعد الحديث عن التجارة البينية العربية وهمومها، لابد من الدخول في تفاصيل عملكم باعتباركم تحملون صفة الأمانة العامة لاتحاد الصناعات الجلدية العربية، والحديث عن واقع هذه الصناعة وتجارتها في ظل واقع متردٍ وسيئ للعمل الاقتصادي العربي..؟
لا يشذ واقع قطاع الصناعات الجلدية العربية عن حال باقي الصناعات العربية، في كل المظاهر والأسباب التي ذكرناها سابقاً، بل إن هذا القطاع يبين بجلاء حجم الأزمة في إدارة الاقتصاد العربي عندما نرى أن أكثر البلدان العربية تراجعاً في الصناعات الجلدية هي نفسها أغنى البلدان العربية بالجلود والثروة الحيوانية، ولا أدل على ذلك من القول إن السودان واليمن هما البلدان اللذان يعتبران من أوائل المصدرين للجلود على الساحة التجارية العالمية، ولكنهما بالمقابل هما من أهم المستوردين للأحذية والمنتجات الجلدية المختلفة.
مشروع قد يبصر النور لتأهيل الدباغات وتحقيق تكاملية المنتج خلال خمس سنوات تبدأ بالدباغات وتنتهي بإنتاج الاحذية والتسويق
وهذا الأمر لا يختلف عن باقي البلدان العربية، فعلى الرغم من امتلاك هذه الصناعة أهم ميزتين تتناغمان مع الأهداف المعلنة للسياسات الاقتصادية العربية ولتحديات التنمية المستدامة وهما تحقيق القيم المضافة وتشغيل الأيدي العاملة، حيث يعتبر قطاع الصناعات الجلدية هو أكثر القطاعات الاقتصادية إمكانيةً لتحقيق هذين الهدفين..
الاتحاد العام ومصادر الحل
هذا الكلام يفرض علينا سؤالاً في غاية الأهمية يتعلق بدور الاتحاد في تطوير هذه الصناعة وتجارتها وإخراجها من نطاقها الضيق الى العالم الأوسع وبالتالي تغيير النظرة لهذا القطاع تتناسب مع أهميته الاقتصادية والاجتماعية.؟!
“الحسن”: يد واحدة لا تصفق فالنشاط بحاجة لتكاتف أيدي الجميع، من هذا الجانب انبرى الاتحاد العربي للصناعات الجلدية لتوضيح كل ما ذكر سابقاً للحكومات العربية من خلال دراسات ومذكرات تم إرسالها مباشرةً للعديد من رؤساء الحكومات ولوزراء الصناعة والاقتصاد حول أهمية هذا القطاع وكيفية الاستفادة منه ودعمه مؤكدين لهم أن هذا القطاع يمكن الرهان عليه في دعم هائل للتنمية المستدامة.
كما أعد الاتحاد منذ سنوات مشروعاً لإنشاء الشركة العربية القابضة لإنتاج وتسويق المنتجات الجلدية على أن تقوم هذه الشركة بتجميع عدة شركات راغبة وقائمة بالأصل في أكثر من بلد عربي بعد تقييم موجوداتها، وكذلك فتح باب الاكتتاب للأسهم لمن يرغب، وقد تم إعداد مشروع النظام الأساسي لهذه الشركة.
وإن هذه الشركة تستطيع أن تحقق الحيوية في مجال التجارة البينية العربية، وتحقيق الآمال المعقودة فيما يخص هذا القطاع على اتفاقية تحرير التجارة العربية مع تجنب السلبيات الحاصلة والمحتملة لسوء استخدام هذه الاتفاقية.
إضافة لقيام الاتحاد بالمشاركة وبكفاءة عالية في فعاليات اتفاقية أغادير التي تضم المغرب وتونس ومصر والأردن والتي تحاول التعامل مع قطاع الصناعات الجلدية في هذه البلدان ككيان واحد, وافتتاح مكاتب إقليمية منها الأردن ولاحقاً في العراق والسودان ومصر ولبنان والمغرب وتونس وسلطنة عمان وغيرها كل ذلك بقصد زيادة التنسيق، دون تجاهل طلب الاتحاد المستمر وفي كل المناسبات بضرورة ربط الاتحادات العربية المتخصصة أو بعض الاتحادات مع آليات عمل الصناديق التنموية العربية.
والأهم ما طرحه الاتحاد على بعض الحكومات العربية، في البدء بمشروع تأهيل يستمر خمس سنوات، ويبدأ بتأهيل الدباغات في العام الأول على أن تستكمل بقية مراحل الصناعة في أكثر من بلد عربي، ثم يتم تأهيل مصانع الأحذية على مراحل في العام التالي.. وهكذا نصل في العام الخامس إلى تأهيل كامل من المسالخ حتى إنتاج الأحذية والمنتجات الجلدية وتسويقها.