عن ضياع القيمة الأدبية.. والورشات الكتابية وهدر دم النص!!

تشرين- حلا خيربك:
ليست الورشات الكتابية بالظاهرة الجديدة في عالم الدراما التلفزيونية، سواءً العربية أو السورية، حيث نجد بدلًا من اسم المؤلف، أو تأليف سيناريو وحوار ، “مجموعة من الكتاب”، وتذكر أسماءهم، وغالبًا ما يكونون كتّابًا حديثي العهد بالكتابة! سواءً التلفزيونية أو على أي صعيد كتابي آخر! وليس ذلك بالأمر السيئ أو الغريب أو الخطير إذا كان العمل الدرامي ذا حلقات منفصلة، أو عبارة عن لوحات.. فكل كاتب عندها مسؤول عن لوحته، ولا يضير أيضًا أن يكون هناك معدٌّ ليعطي للعمل روحًا واحدة.
لكن الغريب والعجيب أن نجد مجموعة من الكتاب لعمل درامي متصل واحد، وهي حالة بدأت تدرج مؤخرًا، حيث يجتمع ويتشاور الكتّاب، لذلك بدأنا نرى الدراما المسطحة والفارغة، لأن الكاتب لا يقبل الكتابة مع مجموعة! ولأن الكاتب مسؤول عن نصه وأفكاره ، والتي لا بأس بأن تكون غريبة ومتطرفة، وليس على النص أن يلقى القبول، فالقصة وجدت كي تحدث استفزازًا وتغييرًا..

القيمة الأدبية
لقد كان للنص التلفزيوني المكتوب وحتى فترة ليست بالبعيدة “قيمة أدبية” حتى خلال الفورة الإنتاجية حيث كثرت الأعمال المنتجة، وكنا نجد ثنائيات “كاتب ومخرج” أما الآن فيبدو أن المخرج هو الكاتب الأول والأخير ولاسيما في الدراما السورية، ولذلك أطيح بالكتّاب، حتى لا يعترضوا، ولا يطالبوا بمبالغ كبيرة .

نكتب بعقلية الورشة؟!
من الذي يقرر اليوم أنّ النص جيد أو غير جيد، وهو غالبًا غير جيد بل ومضحك أحيانًا، بسبب عقلية الورشة التي بدأت تعمل مؤخرًا، حيث يبدأ العمل ليس من الكاتب بل من الجهة المنتجة باستكتاب الكاتب لفكرة المخرج أو لفكرة ما تسويقية، ويبدأ العمل عليها منذ الحلقة الأولى بالتشاور، حيث درج المستشار الدرامي، الذي لا نعرف ولا أحد يعرف ولا هناك شروط قياسية لدرجة ثقافته ودرايته بسير القصة، وقد يكون الشماعة التي تعلق عليها الأخطاء فيما لو لم ينجح العمل.
وفيما لو قرر كاتب مخضرم ولا يشق له غبار كتابة نص لقصة تلفزيونية شيقة، نص كامل وواضح المعالم، فكيف سيضمن سلامته من التدخل والتعديل والتغيير وسلب الحقوق الفكرية.. هل هناك ما يغري حاليًا للكتابة؟!
بسبب آليات التعامل الجديدة مع النصوص نجد أن عددًا مهمًا من الكتّاب كانت لهم أعمال تلفزيونية رائعة مبتعدين تمامًا عن الكتابة أو مبعدين، بالتأكيد ليس بسبب نضب أفكارهم، فالكاتب الحقيقي لاتجف أفكاره ولا تفقد بريقها ولا يتوقف عن ممارسة عمله.

أهداف مادية
في مرحلة ما ليست بالبعيدة أيضاً تم طرح الاستعانة بالورشات الكتابية لرفد الدراما بالدماء والأفكار الشابة، وفعلًا تمَّ إنتاج عدة أعمال خفيفة تحت هذه التسمية، وإن كان الهدف الخفي والحقيقي التقليل من أجور الكتاب، أو تقليل ميزانية الأعمال، لأن الكاتب الجديد لا يطالب بالأجور العالية. وفعلًا وجدنا الدماء الشابة تستبيح الساحة، فالموسم الرمضاني دومًا على الأبواب والمنتج بحاجة لنص، والمخرج سيقوم بإجراءاته.

دراما المخرجين
لقد كان هناك جدل واضح حول المخرج غير الأكاديمي منذ أكثر من عشر سنوات، عندما تم رفد الدراما بمجموعة من المخرجين المتتلمذين على أيدي المخرجين الأكاديميين المبدعين والمؤسسين للدراما، والذين شكلوا غالبًا ثنائيات كاتب ومخرج، فالمخرج في النهاية سيكون هو الكاتب، فإما أن يعجب بالنص ويحافظ عليه وإما أن يستند إليه، وطالما أن المخرج هو الكاتب وجدنا أن الصورة مؤخرًا أطاحت بالنص، وبدأ مخرجونا بناءً على طواعية الكتاب وسهولة تعاملهم وعدم وجود ضوابط لحماية الكاتب يعملون على المشهد الواحد كما ذكرنا في مقال سابق.
عند حصر النص بكاتب واحد كانت تميل المسلسلات للأعمال الروائية، كقيمة أدبية وشخصيات واضحة، أي كان النص قيمًا ونوعيًا، أما بعد ظهور الورشات وارتقاء بعض كتّابها لمرحلة الكتابة الفردية، بقيت فكرة الورشة في كتابة النص قائمة، لأن كتّاب الورشات لا يدافعون عن نصوصهم، فالكاتب لا يقبل بالتدخل في نصه بشكلٍ جذري.
وبالتأكيد نحن نتحدث عن الورشة متعددة الكتّاب، بينما كان لدينا في الدراما السورية ثنائيتين متميزتين تمكنتا من تحقيق النجاح والأعمال المرموقة، وهي ثنائية الكاتب حسن سامي يوسف ونجيب نصير، وثنائية علي وجيه ويامن الحجلي.

محنة النص
نحن نقول دائمًا؛ هناك أزمة نص، أزمة نص بدأت تطيح بالمسلسل السوري بشكل واضح، وهذه هي مشكلة الكاتب والنص كما نطرحها.. لقد توقف الإبداع وبدأ القص واللصق وسرقة الأفكار بل ومسلسلات بالكامل ناجحة وتعديلها وتسيير القصة لتناسب طموحات الجميع فيما عدا الكاتب، على المخرج اليوم أن يبحث عن الكاتب الجيد لا أن يتولى المهمة وحده.
النص أساس نجاح العمل الدرامي، فالحبكة والعبرة مطلوبتان، والأفكار الجديدة مطلوبة، والإبهار بجرأة الطرح مطلوبة، وهي التي لا تقدر عليها مجموعة، فالكاتب خالق ومسؤول عن نصه.
كان حتى فترة قريبة اسم الكاتب يشير لأهمية العمل وقيمته، وميثاق على نجاحه وانتشاره قبل أن ندري بالفكرة ولا الملخص، كاتب كبير مسلسل هام، وكانت النصوص تُشترى بالكامل وليس بالحلقة، ويعلن عنها وتقام لها المؤتمرات الصحفية قبل إنتاجها!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث المؤسسة العامة للدم والصناعات الطبية فتح الحساب شخصي ولا يمكن من دون صاحب العلاقة.. خبير اقتصادي يعلل الإجراء المصرفي الملزم ويقترح تسهيلاً إلكترونياً فارق كبير بين أسعار بيض دواجن القطاع العام وأسعار القطاع الخاص.. وكلّ يغني على ليلاه محكمة العدل الشعبية السورية لأجل غزة.. أيقونة المقاومة القانونية الأحصنة الأكثر هيمنة في المشهد الاستثماري العالمي.. الصناديق السيادية بالخليج تهيمن على الاستثمار العالمي بصفقات تبلغ 52 مليار دولار لمن ستكون الغلبة واليد الطولى في فرض النفوذ بالمنطقة الآسيوية مستقبلًا في ظل التنافس ومن سيفرض هيمنته؟ 500 ألف بطاقة مصرفية لموظفي القطاع العام في "العقاري".. مدير الدفع الإلكتروني: ليسوا بحاجة إلى فتح حسابات "الدعم" الإدارة الضريبية تبسط إجراءات تقديم بيان رسم الإنفاق الاستهلاكي لمكلفي مهنة الصاغة عن ضياع القيمة الأدبية.. والورشات الكتابية وهدر دم النص!! استئناف القرض الشخصي من «التجاري» في ١٥ الشهر الجاري.. يوسف: خطة لإقراض عدد محدد شهرياً بما يتوافق مع طاقة كل فرع