التشريعات الناظمة تحول دون توطين أهم “طراز” زراعي عصري في سورية
تشرين- رشا عيسى:
رغم الجهود المبذولة لكثير من العاملين في مجال البحث العلمي الزراعي لتطوير نظام الزراعة العضوية، فلا تزال الأسس أو المبادئ الذي يعتمد عليها هذا النظام الزراعي سواء على المستوى الرسمي أم المجتمعي ضبابية في ظل غياب القوانين والتشريعات المحلية الناظمة لها، فلا توجد حالياً جهة محلية يمكن أن تمنح شهادات اعتمادية لمنتج زراعي عضوي، فالمنتجات العضوية التي يتم اعتمادها تمر بمراحل كثيرة من الإنتاج إلى التخزين والتسويق والتي يجب أن تطابق المعايير الفنية المعتمدة من الجهة المانحة لشهادة الاعتمادية.
درويش: الزراعة العضوية هي نظام زراعي متكامل عبر استخدام كل الأساليب المتاحة الزراعية والبيولوجية والميكانيكية وغيرها للوصول إلى منتج عضوى غذائي مطابق للمعايير الدولية
الاستغناء عن المخصبات الكيميائية
الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش أشار إلى أنه برز في السنوات الأخيرة على المستوى المحلي دور لاستخدام المخصبات الزراعية العضوية والاستغناء شيئاً فشيئاً عن المخصبات الكيميائية ذات التكلفة العالية والأثر المتبقي الذي يؤدي بسبب الاستخدام المفرط لهذه الأسمدة المعدنية إلى تلوث في البيئة.
وبيّن درويش لـ«تشرين» أن هذه الأساليب الزراعية عبر استخدام التغذية النباتية ذات المصدر العضوي تعد أحد الأسس التي يعول عليها بالوصول إلى زراعة عضوية ومنتج عضوي في السنوات القادمة، لكنها ليست الشرط الأوحد، فالزراعة العضوية هي نظام زراعي متكامل عبر استخدام كل الأساليب المتاحة الزراعية والبيولوجية والميكانيكية وغيرها للوصول إلى منتج عضوى غذائي مطابق لمواصفات وشروط السلامة الغذائية العالمية والاعتمادية وفقاً للمعايير الدولية، وهذا المنتج الزراعي سواء كان نباتياً أم من مصدر حيواني وحتى المصنع منه غذائياً لابد أن يكون عضوياً بالكامل وخالياً من تراكم لأي عنصر كيميائي يتجاوز المعايير الموضوعة في هذا المجال.
ضعف إمكانيات
ورأى درويش أنه على المستوى المحلي نتجه عاماً بعد عام في بعض زراعاتنا إلى هذا النظام لاسيما في بساتين الحمضيات والزيتون وحتى على صعيد إنتاج النباتات الطبية والعطرية، ومن دون توجيه أو حتى تخطيط مسبق في كثير من الحالات.. فأغلبية مزارعينا وبالنظر إلى ضعف إمكانياتهم في تأمين مستلزمات الزراعة التقليدية من أسمدة معدنية ووسائل مكافحة كيميائية باهظة الثمن، اتجهوا نحو استخدام المخصبات العضوية ذات الاستخدام الأرضي منها وعبر تطبيق الرش الورقي وحتى بالنسبة للمبيدات كالاعتماد على المصائد وغيرها من وسائل المكافحة الحيوية منذ عدة سنوات خلت، وهذا ليس بجديد، فمنذ حوالي عام تقريباً تمت تسمية عدد من بساتين الحمضيات في الساحل السوري واعتمادها كحقول منتجة لثمار الحمضيات العضوية وذلك بغرض تصديرها إلى الخارج.
المنتج الزراعي أو المصنع الغذائي العضوي الذي يسمى اختصاراً بالبيو (Bio)، البيولوجي، هو الأكثر ثمناً ويتجاوز سعره ما يعادل ضعف وحتى ثلاثة أضعاف المنتج الزراعي التقليدي
استخدام محدود
إن هذا النظام الزراعي لا يزال استخدامه محدوداً، ولا يحظى بالتشجيع المحلي الكافي، وذلك في ظل ما يعانيه واقعنا الزراعي من ضعف في الإمكانيات وارتفاع تكاليف الإنتاج الذي لا يغطي في كثير من الأوقات حاجة السوق المحلية، فالمعروف عالمياً أن المنتج الزراعي أو المصنع الغذائي العضوي الذي يسمى اختصاراً بالبيو (Bio)، البيولوجي، هو الأكثر ثمناً ويتجاوز سعره ما يعادل ضعف وحتى ثلاثة أضعاف المنتج الزراعي التقليدي، وهذا يعود لكثير من الأسباب منها قلة الكمية المنتجة منه، والحاجة للعمالة اليدوية في إنتاجه بشكل أساسي، فكيف ونحن تحت وطأة ضعف القدرة الشرائية للمواطنين الذين حتى حاجاتهم من المنتجات العادية صعبة المنال في كثير من الأحيان.
وتبرز هنا أهمية هذه الزراعة للحصول على شهادات الاعتمادية الدولية لمنتجينا بغرض التصدير خارجياً، أما تسويق منتجات كهذه محلياً وإيجاد وتأمين أسواق داخلية لها فيعد ذلك مطلباً غير وارد في ظل الأزمة الاقتصادية والمستوى المعيشي الذي نعاني منه.
أسس ضبابية
من جهة أخرى، لا تزال الأسس أو المبادئ الذي يتعمد عليها نظام زراعي كهذا سواء على المستوى الرسمي أم المجتمعي ضبابية نوعاً ما، وذلك رغم الجهود المبذولة لكثير من العاملين في مجال البحث العلمي الزراعي، كما أن القوانين والتشريعات المحلية الناظمة لها غير متوفرة، فلا يوجد حالياً أي جهة محلية يمكن أن تمنح شهادات اعتمادية لمنتج زراعي عضوي، فالمنتجات العضوية التي يتم إعتمادها تمر بمراحل كثيرة من الإنتاج إلى التخزين والتسويق والتي يجب أن تكون مطابقة للمعايير الفنية المعتمدة من الجهة المانحة لشهادة الاعتمادية، تلك الجهة المسؤولة عن مراقبة جميع هذه المراحل ودقة تنفيذها من الزراعة إلى السوق، وهكذا ليمنح على أساسها المنتج الزراعي بطاقة بيانات معتمدة أصولاً، لكن هذا قد لا يتوفر محلياً بشكل ذاتي.
كثير من الدول كانت سباقة في هذا المجال، كما روجت له بالنظر للفوائد الكثيرة التي تحققها هذه الزراعة المتكاملة ومنها ما يؤثر إيجاباً في البيئة لاسيما النظم الأيكولوجية الزراعية كتحسين خصائص الترب الزراعية واستدامتها وحفظ التنوع الحيوي النباتي والحيواني وتنشيطه، فضلاً عن تقليل استخدام الطاقة غير المتجددة عبر خفض الاحتياجات من الكيماويات الزراعية وما يترتب على تصنيع واستخدام هذه المستلزمات، إلا أن التكلفة العالية للحصول على منتج عضوي في هذه الدول، أدت إلى قلة الكمية المنتجة لاسيما تلك الغذائية المصنعة وثمنها الباهظ وعزوف الكثيرين عن شرائها، ما دفع الحكومات في كثير من هذه الدول لاتخاذ إجراءات تحفيزية داعمة للمنتجين تساهم في نشر ثقافة المنتج العضوي وأهمية استخدامه وتسهيل عملية تسويقه، كأن تباع المنتجات الزراعية العضوية وحتى المصنعة منها بشكل مباشر للمستهلكين، فضلاً عن برامج الدعم المجتمعي في نقل هذه المنتجات مجاناً للمخازن والأسواق أو البيع من المزرعة مباشرة، وهذا ما نفتقر إليه على المستوى المحلي في وقتنا الراهن.
جبور: وزارة الزراعة اتخذت مجموعة من الخطوات لدعم الزراعة العضوية ونشر مفاهيمها والعمل والتوسع بها.. خاصة في ظل تزايد الحاجة لها اليوم
خطوات دعم
المدير العام للهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية الدكتور موفق جبور بيّن أن وزارة الزراعة اتخذت مجموعة من الخطوات لدعم الزراعة العضوية ونشر مفاهيمها والعمل والتوسع بها، خاصة في ظل تزايد الحاجة لها اليوم، حيث باتت ضرورة من النواحي الصحية والبيئية إلى جانب الميزات التسويقية، عدا أنها تأتي في قائمة الزراعات التصديرية.
وأشار جبور إلى حرص الوزارة على تنفيذ تجارب الزراعة العضوية وإيجاد حلول للمسائل الفنية الطارئة ومتابعة المقاييس وقواعد الإنتاج العضوي وتطورها والتعاون مع كل الجهات البحثية والإرشادية والخدمية المختصة بالإنتاج العضوي على المستوي المحلي والإقليمي والدولي، وتقديم الخبرة والمشورة الفنية بناءً على نتائج الأبحاث.
وأوضح جبور أن الهيئة عملت من خلال دائرة الزراعة العضوية على التعريف بأهمية هذه الزراعة وتدريب الفلاحين عليها عملياً من خلال الأيام الحقلية وتأهيل الكوادر الفنية المختصة.
كما بيّن جبور أن الهيئة قامت بإصدار عدة نشرات إرشادية حول الأبحاث والتجارب العلمية التي تم تنفيذها وشملت إنتاج الزيتون والفستق الحلبي العضويين والقطن العضوي والبندورة العضوية في ظروف الزراعة المحمية.