رحل من دون أن يغرق بعواصف العولمة

عساف عبود اسم بقي يتردد في إذاعة وتلفزيون الـ” بي بي سي” لعقود طويلة.. بقي يمشي بين حبات المطر السياسي من دون أن تغرق ثيابه رغم الغزارة والاختلاف.. لم يكن سهلاً أن يوازن عساف عبود بين انتمائه الوطني، و توجه المحطة التي ترسم سياستها وزارة الخارجية البريطانية، ومع الحرب على سورية، إنحازت معظم فضائيات الإعلام المعولم إلى (الفوضى الأمريكية الخلاقة)، وأظهرت عداءها للدولة السورية وانحيازها الفاضح للإرهابيين الذين تم تصنيفهم بالمعارضة المسلحة، وبالتالي تمّ إغلاق العديد من مكاتب تلك الفضائيات واضطر مراسلوها للاستقالة لأنهم رفضوا إن يكونوا إلّا مع دولتهم ومع شعبهم، وكانت “البي بي سي” استثناءً من بين تلك الفضائيات.

بقي مكتب “البي بي سي” مفتوحاً في دمشق، واعتقد أن الفضل في ذلك يعود إلى حالة متألقة من الحرفية التي تميز به الزميل الراحل عساف عبود، الذي استطاع أن يوازن بين الحالة السياسية الصعبة التي يجب أن ينحاز لها الصحفي الوطني، وبين سياسة محطة ترسمها الخارجية البريطانية، التي تضع المسألة في حالة تنافر لا يمكن لأحد أن يبقيها في مرحلة توازن إلّا صحفي مهني وطني من عيار عساف عبود.

أوقفت إذاعة الـ”بي بي سي” بث إذاعتها باللغة العربية منذ عدة أشهر لضغط النفقات وبقيت المحطة الفضائية، إلى أن أتت القشة التي قصمت ظهر البعير واستدعت من وزارة الإعلام السورية الإعلان عن إغلاق مكتبها في دمشق مع إن هذا القرار كان متوقعاً منذ بداية الحرب.
ربما لم يعد يحتمل الزميل عساف عبود المعاناة والمشقة التي يكابدها الصحفي الذي يراسل محطة أجنبية، لكي يُبقي العلاقة بينها وبين الحكومة السورية على حافة الهاوية طوال سنوات الأزمة، ولا أعلم الكثير عن وضع الزميل عبود الصحي في الأشهر الأخيرة، فعلاقتنا لم تكن تتجاوز حضور المؤتمرات الصحفية في الخارجية السورية، لكن ابتسامته وترحيبه بصوته الجهوري الواثق يجعلك تشعر بأنه معك ومع الإعلام الوطني في خندق واحد.

رحل الإعلامي المتميز عساف عبود قبيل حلول الذكرى الثالثة عشرة لفورة الربيع العربي، التي عاشها بكل تفاصيلها اليومية، وغطى أحداثها العسكرية ونقل بصدق وموضوعية انتصارات جيشنا على الإرهابيين، ولم يتوانَ عن الذهاب الى الخطوط الأولى للمعارك بحماسة قد يفتقدها الشباب وبموضوعية خففت ولو قليلاً من انحياز “البي بي سي” لما يسمى المعارضة المسلحة التي كانت تسوِّق لها واشنطن والفضائيات المرتبطة بالمشروع الأمريكي…رحل عساف عبود وترك غصةً كبيرة في صدور معارفه ومحبيه.. لروحه الرحمة ولأسرته الكريمة خالص العزاء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار