مذموم اجتماعياً ويعاقب عليه القانون.. التنمر الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحمل مخاطر وآثاراً سلبية على المجتمع

تشرين- نور حمادة:

انتشرت ظاهرة التنمر مؤخراً بشكل ملحوظ وسريع على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مجموعة من السلوكيات العدوانية التي يتم تفعيلها عبر الوسائط الإلكترونية، بهدف إيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وإغضابهم أو التشهير بهم عن طريق نشر الأكاذيب أو الصور أو مقاطع الفيديو المؤذية أو التهديدات بشكل مباشر أو غير مباشر، بغية لفت الانتباه للشخص المتنمّر على أنه محبوب وقوي أو بدافع الغيرة، لأنه سبق أن تعرّض للتنمّر فيما مضى، متجاهلاً التصرفات السلبية والأضرار الجسدية والنفسية والإساءات اللفظية بسبب العدائية التي تكمن بداخله من أجل اكتساب السلطة على حساب شخص آخر.

التنمّر يسبب الاكتئاب

من منا لم يتعرض للتنمر الإلكتروني لمجرد نشر صورة أو نشاط قام به ليجد من يختبئ وراء الشاشة الذكية يكتب تعليقات مسيئة بحقه بهدف إخافة أو استفزاز الشخص المستهدف وإيذائه بعبارات جارحة، تترك لديه شعوراً بالإحباط واليأس، وهو ما حدث مع (م- ل) طالبة ثانوي تعاني من وجود (وحمة)؛ بقعة داكنة في وجهها منذ ولادتها وحاولت إخفاءها، لكن من دون جدوى، وكانت تتعرّض للتنمّر دائماً من قبل صديقاتها وبعض المقربين منه.

الخيمي: يجب عدم السماح للأفكار السلبية بالسيطرة على تفكيرنا أو فقدان الثقة بأنفسنا

وتتابع: تأقلمت مع وضع وجهي بالرغم من أنه يسبب لي الإحراج أحياناً، وأحب مثل كل الفتيات التقاط صور لي ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن بعض التعليقات السلبية أدخلتني في حالة اكتئاب، جعلتني أبتعد عن المحيط الخارجي وللعزلة، وخسرت ثقتي بنفسي لأن التنمّر سبّب عقدة بداخلي وهو بشكل عام له تأثير كبير في نفسية البشر.

المؤثرون وصانعو المحتوى

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل مشاركة المعلومات مع الآخرين، وهذا يلعب دوراً كبيراً في التعرض للتنمّر الإلكتروني، فالتكنولوجيا أتاحت الفرصة أمام شريحة من الناس باستخدام الأجهزة الرقمية إرسال تعليقات فظة ولئيمة وانتحال الهوية الشخصية لشخص آخر ونشر المنشورات المسيئة لتشويه سمعة صاحب الهوية الأصلي وإهانته، وهو ما يتعرض له غالباً صانعو المحتوى والشخصيات المشهورة وكتابة الأقاويل ونشر الشائعات والثرثرة فيما يخص حياتهم الخاصة.

أحد صانعي المحتوى الترفيهي على الانستغرام، والذي رفض أن يذكر اسمه، يروي معاناته مع التنمر إذ يبيّن: أحياناً تستخدم صور غير لائقة وتكون محرجة أو تم التقاطها من دون معرفة مني شخصياً، ويتم تداولها ومشاركتها عبر مواقع التواصل من دون إذن، بهدف الابتزاز وإثارة البلبلة والإحراج أو نشر فيديو محرج أو مهين وإنشاء حسابات وهمية غرضها المطاردة الإلكترونية والتهديدات المتكررة، وهو ما يسبب لنا الكثير من المشكلات والتعقيدات في الحياة.

إحصاءات

تشير الإحصاءات إلى أنّ الفئة العمرية الأكثر عرضة للتنمر الإلكتروني هي فئة المراهقين، كما توضح الدراسات أن للتنمّر الإلكتروني تأثيراً خطيراً على هذه الفئة، وأن ما يقارب 47% منهم يتعرضون للتخويف والترهيب بشكل متكرر، وتشير الأبحاث إلى أنّ ما يصل إلى 8 من كل 10 شباب تعرضوا للإساءة عبر الإنترنت، وأن هناك 38% ممن يتعرضون للتنمر الإلكتروني لا يخبرون أهاليهم و 10% فقط قاموا بإخبار والديهم، بينما 93% من الأطفال الذين وقعوا ضحايا التنمر أبلغوا عن مشاعر الحزن والعجز، وبيّنت دراسة بحثية أن نحو 16.8% من طلاب المدارس في المرحلة الثانوية يتعرضون للتنمر الإلكتروني وحوالي 10% منهم أقدموا على فكرة الانتحار.

التنمر والصحة النفسية

غالباً ما يعاني من تعرّض للتنمّر الإلكتروني الكثير من المشاعر السلبية وإعاقة حياته اليومية وللاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق وعدم قدرة السيطرة على تصرفاته التي تتسم بالعدائية والانفعالية، وخاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة، وبرأي الاختصاصية في علم النفس وصال الخيمي، مهما كان التعرض للتنمّر بأي شكل من الأشكال مؤذياً، يجب عدم السماح للأفكار السلبية بالسيطرة على تفكيرنا أو فقدان الثقة بأنفسنا، بل نحاول جاهدين التحكم بأعصابنا والاستفادة من التجربة مهما كانت صعوبتها، والتعلم منها وتعزيز احترام النفس.

وتوضح الخيمي، أنّه في مرحلة الطفولة والمراهقة من السهل التعرّض للتنمر والتأثر به بشدّة وحمل الذكريات والأحداث التي واجهوها إلى ما تبقى من حياتهم، وبدلاً من التركيز على الأهداف وتحقيقها، يتشكل عائق أمامهم، يمنعهم من المثابرة والنجاح، لذلك إذا بدأت المشكلات والاضطرابات النفسية بالتفاقم لدى الأشخاص الذين يتعرضون للتنمّر عليهم الحصول على المساعدة الطبية المناسبة لاجتيازها، وأن يكون هناك بعض المقربين، يقدمون الدعم النفسي لهم والتأكيد على الاستعداد التام لسماعهم عند الحاجة، والتفكير في أي شيء قبل نشره ومشاركته عبر شبكة الإنترنت، وتحضير المنشورات والتخطيط لها وحماية المعلومات الشخصية على المنصات الرقمية للتقليل من التعرض للتنمر، والإبلاغ عن التعليقات والرسائل المؤذية للجهات المعنية وطلب إزالتها أمر ضروري.

ونوّهت الخيمي بأهمية تجاهل المتنمّر وعدم السماح لأفعاله بالسيطرة علينا وتشتيت الانتباه عنه، والتفكير بشيء إيجابي يشعر بالراحة والاسترخاء والتقليل من استخدام الإنترنت والتركيز على الأمور المفيدة وتشجيع فكرة حظر المتنمّرين على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم نشر مواد التنمّر وإعداد تقارير للأمان، إذا لم تتم إزالة المنشورات التي تدور حول التنمر.

التنمر الإلكتروني قانونياً

التنمر الإلكتروني يسيء لكرامة وحقوق الأشخاص، ويؤثر في سلامتهم النفسية والمعنوية، لذلك يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، وخصوصاً عندما يقع في نطاق مخالفة قواعد الأخلاق والأدب العام، يشير المحامي إبراهيم الأيوبي إلى أن التنمّر هو شكل من أشكال الذم والقدح وانتهاك الحياة الخاصة، والتي تعدّ شاملة لمفهوم التنمّر حسب القانون رقم (20) لعام 2022 وتعرف المادة ذاتها القدح كل الألفاظ النابية والسباب وأي صور يتم تداولها بقصد السخرية والإهانة من شخص ما، والتعبير الذي يهدف إلى التحقير، يعدّ كل ذلك قدحاً، ولا يشترط في جريمتي الذم والقدح أن تكون علانية وتسمية الشخص باسمه، بل يكفي الدلالة عليه وفقاً لما حدده القانون، وتختلف العقوبة إن كان الذم بشكل علني أو غير علني.

الأيوبي: المادة (31) من قانون العقوبات تجرّم الذّم الإلكتروني الواقع على الأديان والمقدّسات والشعائر

ولفت الأيوبي إلى أنّ المادة رقم (31) من قانون العقوبات السوري تجرّم الذّم الإلكتروني الواقع على الأديان والمقدّسات والشعائر، ويعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية قدرها ثلاثة ملايين إلى ستة ملايين ليرة سورية كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو نشر محتوى بقصد الإساءة إلى أحد الأديان أو المقدسات أو الحض على الكراهية والعنف.

ووفق أحكام المادة (247) شدّد القانون في مادته رقم (33) المادة (ب) العقوبة إذا كان المجني عليه في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون قاصراً.

ونوّه الأيوبي بأنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وغرامة مالية، كل من قام بمعالجة صور أو محادثات أو تسجيلات صوتية عائدة لأحد الأشخاص لتصبح منافية للحياء، وقام بإرسالها أو هدّد بنشرها، وتشدّد العقوبة لتصبح من سنة إلى سنتين وغرامة مالية، إذا قام الفاعل بنشرها عبر الإنترنت، كما يعاقب بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية كل من هدّد بالنشر أو نشر منشورات أو محتوى منافٍ للحشمة والحياء لشخص ما ولو حصل عليه برضاه.

وأكد الأيوبي ضرورة تقديم شكوى من قبل من تعرّض للتنمّر والأذى الذاتي للجهات المعنية، وذلك بالاحتفاظ بالأدلة المطلوبة التي حصلت من خلالها الإساءة، تظهر فيها هوية المرسل أو اسم الحساب أو التطبيق، والتقدم بادعاء شخصي لدى النيابة العامة المختصة مكانياً للمدعي، يشرح فيه تعرّضه للتنمّر والذّم الإلكتروني وعدم التصرف بشكل فردي كأخذ حقه بيده والانتقام بنفسه، بل اللجوء إلى القانون، وبدورها تقوم النيابة بإحالة الشكوى إلى الجهات المختصة للتحقيق بالحادثة والادعاء بالحق العام على المدعى عليه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار