الاحتلال و«توابعه» يلوثون نهر الجغجغ في القامشلي.. انتشار أمراض خطيرة والضحايا نساء حوامل وأطفال

الحسكة – خليل اقطيني:

“تلوث نهر الجغجغ وصل الى مستويات قياسية، ولم يعد يطاق، الأمر الذي أدى إلى رفع مستوى مخاوفنا من الأضرار الخطيرة التي يمكن أن يتسبب فيها هذا التلوث”.
وأضاف عدد من سكان مدينة القامشلي – شمال الحسكة – في شكواهم التي وجهوها إلى مكتب صحيفة تشرين في محافظة الحسكة، حول تلوث نهر الجغجغ الذي يمر وسط المدينة قادماً من مدينة نصيبين المقابلة لمدينة القامشلي في الأراضي التركية: “أن تلوث هذا النهر ليس بجديد، وذلك لأن الاحتلال التركي قام منذ سنوات بتحويل كل شبكات مجرور الصرف الصحي في المناطق التي ينبع منها ويمر فيها إلى مجراه. لكن هذا التلوث أخذ منحىً تصاعدياً منذ أن دأبت قوات الاحتلال التركي على قصف المنشآت الخدمية والاقتصادية الحيوية شمال شرق البلاد، وخاصة منشآت النفط والغاز، بعد احتلالها منطقتي رأس العين وتل أبيض في التاسع من تشرين الأول من عام 2019”.
وعَبّر السكان عن مخاوفهم من هذا التلوث، والأضرار البيئية والصحية الخطيرة التي يمكن أن يتسبب فيها لهم في الوقت الحاضر، وللأجيال القادمة في المستقبل.

من مخلفات الاحتلال والإرهاب
مدير الموارد المائية المهندس عبد العزيز أمين أكد أن تلوث نهر الجغجغ هو أحد المخلفات القذرة للاحتلال والإرهاب.
مبيناً أن هذا التلوث يعود لسببين اثنين؛ الأول: هو قصف الاحتلال التركي للمحطات والآبار والخطوط النفطية في كل من القحطانية والرميلان والسويدية شمال شرق الحسكة عدة مرات، ما أدى إلى تسرب النفط الخام إلى نهر الرد، وهو أحد الروافد التي تصب في نهر الجغجغ.
والسبب الثاني: يتابع أمين، هو مخلفات حرّاقات النفط البدائية الموجودة في المنطقة، والتي انتشرت في المنطقتين الشرقية والشمالية الشرقية من البلاد، منذ اندلاع الحرب الكونية على سورية عام 2011، في مواقع سيطرة المجموعات المسلحة، التي شجع متزعموها ومرتزقتها على إنشاء تلك الحرّاقات للاستفادة من “الأتاوات” المالية التي يفرضونها على أصحابها، من دون الاكتراث إلى الأضرار الخطيرة التي تتسبب فيها بيئياً وصحياً.

أمين: مخلفات النفط الناتجة عن القصف التركي والحرّاقات البدائية هي السبب

لافتاً إلى أن حرّاقات النفط البدائية هو أحد نواتج الأزمة في سورية. حيث تصب مخلفاتها في الوديان الموجودة في المنطقة، ولاسيما “وادي الأملاح” الذي تمر المياه الموجودة في مجراه والملوّثة بالنفط الخام في قرى المنطقة، وصولاً إلى مجرى نهر الجغجغ في منطقة القامشلي ومحيطها، متسببة في رفع منسوب التلوث في هذا النهر.
وأشار أمين إلى أن نهر الجغجع، يدخل الأراضي السورية من مدينة القامشلي قادماً من الأراضي التركية التي ينبع منها، ثم يجوب العديد من القرى والبلدات شمال الحسكة؛ أهمها بلدة بئر الحلو الوردية التي تضم تل براك الأثري، كما يمر من وسط مدينة الحسكة شاطراً إياها إلى قسمين، إلى أن يصب في نهر الخابور عند نهاية المدينة، بين حي غويران من جهة الغرب، وحي العزيزية من جهة الشرق، وبدوره يصب الخابور في سد الشهيد باسل الأسد جنوب الحسكة، وبما أن نهر الخابور يصب في نهر الفرات، بات من المؤكد أن تلوث نهر الجغجغ سيصل إلى بلدة البصيرة في محافظة دير الزور جنوب الحسكة.

أضرار خطيرة على الإنسان والبيئة

من جانبه مدير الصحة في محافظة الحسكة الدكتور عيسى خلف ذكر أن مستثمري حرّاقات النفط البدائية الموجودة شمال المحافظة في محيط مجرى نهر الجغجغ يقومون بحرق النفط وتكريره بدائياً فيها، بهدف جني الأموال من بيع منتجات تلك الحرّاقات ذات النوعية الرديئة من وقود السيارات والتدفئة ومجالات أخرى، غير آبهين بالمخاطر الناجمة عن ذلك على السكان والبيئة معاً.
مبيناً أن حرّاقات النفط البدائية كانت ومازالت وبالاً على حياة السكان. فبالإضافة إلى مخاطر انفجار خزانات تلك الحرّاقات، ظهرت حالات اختناق ناتجة عن بلع اللسان في أوساط العاملين فيها من جرّاء استنشاق الغازات الصادرة عنها، إلى جانب ظهور حالات تشوّه بين الأطفال حديثي الولادة، وفقدان الحوامل أجنتهنّ.
وأكد خلف تسجيل الكثير من حالات الوفيات والتشوّهات بين الأجنّة والأطفال حديثي الولادة في المناطق الواقعة شمال شرق سورية، حيث تكثر حرّاقات النفط البدائية.
مشدداً على أنه نتيجة التلوّث والانبعاثات السامة في الهواء من نواتج الحرّاقات التي تُلحق أضراراً صحية عديدة على جسم الإنسان، ظهرت أمراض أخرى خطيرة في المنطقة أهمها السل والسرطان بسبب المواد العضوية السابحة في الهواء، حتى بات السكان يتمنون استنشاق الهواء النقي، فضلاً عن ارتفاع أعداد مراجعي المستشفيات والمراكز الصحية من الأشخاص الذين يعانون أمراضاً تنفسية، ومن النساء الحوامل والأمهات اللواتي يصطحبن معهن أطفالهن الصغار وحديثي الولادة.

ميكدينيوس والهرماس والجغجغ
يشار إلى أن نهر الجغجغ أو جغجغ أو جقجق، هو نهر “الهرماس” المعروف تاريخياً عند العرب والسريان واليونان، ونهر “ميكدينيوس” عند الرومان، يمر داخل الأراضي السورية بالعديد من المدن والبلدات والقرى، أشهرها مدينة نصيبين داخل الأراضي التركية، ومدينتي القامشلي والحسكة شمال شرق سورية، وينبع من منبعين اثنين في هضبة طور عابدين في تركيا، ويسير داخل منطقة الجزيرة حيث يندمج مع نهر الخابور جنوب شرق مدينة الحسكة، قاطعاً مسافة (124) كيلومتراً من منبعه حتى مصبه، منها 100 كيلومتر في الأراضي السورية، حيث كانت مياهه تروي أكثر من خمسين ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
أما تسمية النهر «جغجغ» فيرى الباحثون أنها ربما جاءت من كلمة (جاغ جاغ) التركية ومعناها الشبك، أو من “الجقجقة” وهي صوت ارتطام مياه النهر بالصخور الموجودة في مجراه (جق جق).

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار