الثروة الباقية بين أيدي السوريين مازالت واعدة أكثر.. سيرة ذاتية لـ” علامة فارقة سورية” على لسان خبير عتيق

تشرين – إلهام عثمان:
تتميز شجرة الزيتون بالصلابة والمتانة والاستدامة، ما يجعلها رمزاً للتراث والأصالة, وتشكل جزءاً لا يتجزأ من تاريخنا, وتعدّ سورية الطبيعية الموطن الأصلي لزراعة الزيتون في العالم, وقد تخطت سمعة جودتها الحدود الجغرافية, لتعدّ علامة اقتصادية فارقة تركت بصمتها على المستوى العربي بل والعالمي.
فلم يقتصر دورها على الجانب الغذائي فحسب، بل امتدت استخداماتها للعديد من المجالات المختلفة من الصحة والجمال والتجارة, فعلى مدى القرون الماضية، كانت تستخدم في علاج الأمراض وتهدئة الألم، لتدخل في صناعة الصابون والعطور ومستحضرات التجميل.
تتميز شجرة الزيتون بفوائد عديدة وكبيرة، نبدأ من ثمارها إلى عصيرها “الزيت” ومن ثم ما تبقى من تفلها بعد العصير يتم صنع منتج منه للتدفئة البديلة, إلى أوراقها المستخدمة في الطب البديل وصولاً لخشبها المستخدم في الأثاث والديكورات وغيره من الصناعات الحرفية..
كما أن الاستثمارات في زراعة وتطوير الزيتون في سورية من أهم الأولويات للحفاظ على هذا الموروث الحضاري القيّم, لتسارع في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الاقتصاد المحلي.

انتشارها
حسب رأي المهندس أحمد عميري المدير المؤسس لمكتب الزيتون في وزارة الزراعة من خلال تصريحه لـ”تشرين”, أوضح أن زراعتها تتركز في كل من محافظات؛ إدلب و حلب وطرطوس واللاذقية بشكل أساسي, ثم انتشرت في كل من حمص وحماة وريف دمشق ودرعا, وتوسعت حتى في المناطق الشرقية في القطر, إلا أنها تعتمد بنسبة 95% من ريّها على مياه الأمطار “زراعة بعلية” في القطر، و5 % المتبقية هي ري تكميلي.
الأصناف
هناك ما يقارب 70 صنفاً من الزيتون هذا ما بيّنه عميري, ولكن الأصناف الأكثر انتشاراً ” الزيتي والقيسي في محافظة حلب, والصوراني في إدلب, والدرملائي في طرطوس, والخضيري في اللاذقية, والدان والجلط والمصعبي في ريف دمشق”.

أفضل أنواع الزيتون
يصنّف زيتون الصوراني بأنه ملك أصناف الزيتون مقارنة بالأصناف الأخرى ولأكثر انتشاراً, على حد تعبير عميري، وذلك لامتلاكه عدة ميزات وهي: أن نسبة الزيوت فيه تتراوح ما بين 25-27%, الأخضر منه والأسود يصلح للتخليل, ومقاومته كبيرة مقارنة مع بقية الأصناف, ويتحمل الجفاف والصقيع, كما أنه مقاوم للحفارات, ومتأقلم في مناطق التوسع, لافتاً إلى أن هناك من يروج لأصناف الزيتون القزمي, تحت ذريعة أنه أكثر إنتاجية، لكن ما يؤخذ على هذا الصنف أنه “أقل جودة ويحتاج كميات كبيرة من المياه, وينوه بأنه من غير المستحب إدخال أو استيراد أصناف أخرى من أصناف الزيتون, كونها تحتاج لكم كبير من المياه, فتلك المياه يجب توفيرها قدر الإمكان لزراعات استراتيجية أخرى.
الترب
أما الترب الصالحة لزراعة الزيتون فيوضح عميري, أن زراعة الزيتون تجود في الترب الفقيرة بالمواد الغذائية والخفيفة والمحجرة, فهي أفضل الأراضي الصالحة لزراعتها, ويفضل عدم زراعة الزيتون في الترب الحمراء الثقيلة كونها تحتفظ بالماء، ما يظهر العطش الشديد على الأشجار والثمار في فصل الصيف لذا فهي بحاجة لري تكميلي صيفاً.

عميري: من غير المستحب إدخال أو استيراد أصناف أخرى من أصناف الزيتون

كونها تحتاج لكم كبير من المياه فتلك المياه يجب توفيرها قدر الإمكان لزراعات استراتيجية أخرى

وعن سؤال “تشرين” كيف نحصل على إنتاج وفير وزيت عالي الجودة من شجرة الزيتون, نوه عميري بأنه بسبب الظروف المناخية المتغيرة في العالم, وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة صيفاً وانخفاضها شتاءً، وبسبب ارتفاع مستلزمات العملية الزراعية, وللحصول على أعلى إنتاج وبأقل التكاليف, فإن شجرة الزيتون تحتاج مراجعة للخدمات المقدمة من خلال: التقليم الخفيف السنوي للحصول على نموات سنوية لإعطاء الثمار في العام القادم, وللحصول على أعلى كمية من زيت الزيتون، كما ينصح بقطاف الزيتون عند تلونه بالكامل باللون الأسود, وكي نحصل على زيوت بجودة عالية يجب قطافها في الوقت المناسب إي عند تلونها 60% باللون القرمزي أو الأسود, وأنه يجب قطافها يدوياً حصراً, و عدم استعمال العصا في ذلك بهدف الحفاظ على النموات الحديثة المسؤولة عن حمل الثمار في العام القادم, كما يلزم غسل ثمار الزيتون بالمعصرة جيداً للتخلص من الشوائب والأوراق الموجودة مع الثمار, عصر الثمار المتساقطة بعيداً عن الثمار الطازجة في فصل الصيف, والإسراع في عصره بعد عملية القطف في معاصر حديثة, وإبقاء عجينة الثمار في العجانة وقتاً كافياً.
فوائد زيت الزيتون
هو العصير الطبيعي المستخرج من ثمرة الزيتون بوسائل ميكانيكية فقط, حسب وصف عميري, كما يمكن استخدامه مباشرة بعد عصره من دون معالجته, وأهم ما يميزه أنه الأسهل هضماً قياساً بغيره من الزيوت والمواد الدهنية الأخرى, مبيناً أن الأبحاث العلمية أثبتت أنه مفيد جداً لكبار السن لأنه يحد من فقدان الكالسيوم في العظام, أضف لخواصه الملينة لتأثيره في العصارة الصفراوية “التخلص من الإمساك”.
من جهتها أكدت اختصاصية التغذية رشا صالح في تصريحها لـ”تشرين”, أن زيت الزيتون مفيد جداً بخواصه الطبيعية, لأمراض عدة فهو يقي من تصلب الشرايين, وغني بالأحماض الدهنية والفيتامينات الضرورية للجسم, كما أنه غني بمضادات الأكسدة, ولا ننسى أن للنساء ما يجذب انتباههن من الناحية التجميلية, إذ إنه يحمي ويغذي البشرة ويمنع علامات الشيخوخة المبكرة والخطوط الرفيعة.
وحسب ما أكدته الخبيرة فهو مناسب لجميع أنواع البشرة، وكذلك للصغار وحديثي الولادة فهو فعال جداً للمغص, وملين لبشرتهم ومفيد للعناية بالشعر وفروة الرأس, فهو يحوي أوميغا 3 ,6, 9, وبالأحماض الدهنية غير المشبعة, كما إنه غني بالبوليفينول, ومضادات الأكسدة التي تبطئ شيخوخة البشرة.

محاذير
حذر عميري أنه يجب الانتباه عند عصر ثمار الزيتون من عدة أمور أولها: عدم عصر ثمار الزيتون الطازجة مع الثمار المتساقطة صيفاً, وعدم استعمال عبوات غير مناسبة في نقله للمعصرة, وعدم تأخير عملية عصر الثمار والأفضل الإسراع في عملية العصر وتطبيق مقولة “من الشجر للحجر”, كما حذر من استعمال مياه بحرارة مرتفعة أثناء العصر, وألا تتعدى الحرارة 30 درجة مئوية فقط, ويجب تعبئة الزيت في عبوات مناسبة ليست بلاستيكية وغير قابلة للصدأ، و أن تحفظ العبوات في مكان جاف بعيداً عن حرارة الشمس والرطوبة, وكما علينا عزلها تماماً عن الأرض والجدران, حتى موعد الاستخدام, سواء كان للاستعمال الشخصي أم للبيع.

استخدامات أخرى
أكد عميري أن بقايا تفل الزيتون تستخدم أو البيرين, والذي يشعل بنسبة 45 % من كمية الثمار المعصورة, حيث أنه يحتوي على 2-7% من الزيت, كما أنه يحتوي على نسبة رطوبة 20-60% حسب منظومة الاستخلاص.

استخدام 100 متر مكعب من مياه العصر للهكتار يزود التربة بـ13 طناً من المادة العضوية

و250 كغ (بوتاس) و50 كغ (فوسفور)

أما العرجوم فيستخدم في التدفئة، ويمكن استخدامه مع بقية المنتجات في صناعة “الكومبست”, كما أن مخلفات تقليم شجرة الزيتون المقدرة بـ20% كغ لكل شجرة ويتكون كل طن من نواتج التقليم من 4 كغ نتروجين+ 4كغ بوتاس + اكغ منغنيزيوم+ 0,5 فوسفور، وتحوي هذه المخلفات على 9% بروتين+ 4% دهون + محتوى جيد من المادة العضوية ومحتواها من الرطوبة حوالي 50%، هذه المخلفات تساهم في تحسين خصوبة التربة, وتساهم في زيادة الإنتاج فيما لو استخدمت بالشكل الصحيح على حد تعبيره, مثل الاستفادة من نواتج التقليم كعلف للحيوانات, والنواتج الخشبية في صناعة الأثاث والهدايا والديكورات المنزلية, وكسماد عضوي بعد تقطيعها إلى أجزاء صغيرة وتخميرها وتحويلها لكومبست مع بقية مخلفات المزرعة, حيث أن مياه عصر الزيتون التي على 15% مادة عضوية، 2% مواد معدنية وحوالي 80% ماء, وتتراوح الكمية الناتجة عن عصر 1 طن من ثمار الزيتون ما بين 600-1100 ليتر حسب طريقة العصر, فاستخدام 100 متر مكعب من مياه العصر للهكتار يزود التربة بـ13 طناً من المادة العضوية، و250 كغ (بوتاس)، و50 كغ (فوسفور).
وأضاف عميري: سابقاً أصدرت وزارة الزراعة القرار رقم”190″ لعام 2007, والذي نص على كيفية التعامل مع مياه عصر الزيتون نظراً لأهميتها, حيث أعطت نتائج جيدة في زيادة خصوبة التربة وزيادة الإنتاج حيث تعدّ هدفاً اقتصادياً وزراعياً وبيئياً, للاستفادة من هذه المنتجات الثانوية لشجرة الزيتون.

فوائد أوراق الزيتون
ما يستحوذ الانتباه هو أن فوائد أوراق الزيتون تفوق فوائد الزيتون نفسه, هذا ما أكدته خبيرة تغذية, فأوراق الزيتون تحتوي على مواد طبيعية تساعد على خفض الارتفاع الطفيف بضغط الدم من دون آثار جانبية, كما أن أوراق الزيتون تعد خياراً طبيعياً فعالاً لمرضى السكري, للحفاظ على مستوى السكر بالدم وفق المعدلات الطبيعية, أضف لذلك أنها تعمل على خفض نسب الكوليسترول والدهون الثلاثية بالدم، لذا فهو فعال للغاية في الحماية من تصلب الشرايين وأمراض القلب المزمنة, وتعود لتشدد على أنها أقوى المضادات الحيوية الطبيعية، حيث تمتلك قدرة مذهلة في القضاء على البكتيريا،

خبيرة تغذية: فوائد أوراق الزيتون تفوق فوائد الزيتون نفسه

فهي تحتوي على مركب ” الأولوروبيين “، والذي له تأثير مضاد للتخثر يساعد على الحماية من السكتات الدماغية واحتشاء عضلة القلب وتصلب الشرايين, كما أنه يعمل على تعزيز الكفاءة الوظيفية للجهاز المناعي, و تستخدم في علاج الحمى أو التسمم الغذائي، فضلاً عن تحسين القدرة الوظيفية للكبد ويستخدم مستخلص أوراق الزيتون موضعياً لتخفيف آلام المفاصل والتقلصات العضلية, والقضاء على البكتيريا المسببة للعدوى في حالات البرد والأنفلونزا وفق منظورها.

تضافر الجهود
واختتم عميري أنه نظراً للمرونة البيئية التي تتمتع بها شجرة الزيتون, منذ العقود الماضية حيث شهدت تطوراً ملحوظاً, وانتقال سورية من مرحلة استيراد زيت الزيتون الى مرحلة الاكتفاء الذاتي ومن ثم إلى التصدير, هذا التوسع جاء كنتيجة صحية للجهود المبذولة من الجهات المختصة, لتطوير الواقع لهذه الزراعة وتعزيز دورها الاجتماعي والاقتصادي, والجدير ذكره أن زيت الزيتون يتميز بمواصفات ممتازة في بلادنا من حيث الفائدة والطعم والنكهة العطرية والرائحة، لذا لا بد من تضافر الجهود والعمل على كل المستويات, لإبراز خصوصيته المميزة وطرحه من جديد في الأسواق العالمية, كمنتج يعدّ من أفضل الزيوت العالمية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار