النساء الجريئات المنسيات!.. لماذا لا يمكن للمرأة أن تكون بطلة بدورها؟
تشرين- حنان علي:
تبدو قراءة رواية “النساء” أشبه بتعويذة تمزّق القلب وتتدفق بالمخاوف والآلام والغضب، الإحباطات والصراخٍ المكتوم. “لماذا لا يمكن للمرأة أن تكون بطلة بدورها؟ “.. سؤال يغير حياة (فرانكي) ويتحدى الخطط التي وضعتها العائلة لابنتهم من زواج وإنجاب وفقًا لمعايير أوائل ستينيات القرن الماضي.
تبدأ الأحداث في حفل منزلي بجزيرة (كورونادو)، احتفالاً بتجنيد شقيق فرانكي. وتُعرض إبانه “مسيرة الأبطال”، عبر التنقل بين صور لرجال العائلة الذين خدموا في حروب مختلفة.. الآن، سيتم إضافة صورة الشاب إلى هذا الحائط. ألا يمكن تعليق صورتها أيضًا؟ لم لا؟ وهكذا تقرر الفتاة خدمة بلدها تمامًا كما يفعل شقيقها. لتتقدم بعدها بطلب إلى هيئة تمريض الجيش بخطى حثيثة نحو البطولة.
لعلّ السعادة الآن.. السعادة اللحظة.. تبدو السعادة وكأنها مطلب مبالغ فيه في عالم مشتعل
غابات فيتنام
لم تدعم عائلتها المحافظة قرارها، لكن عنادها سرعان ما يأخذ حياة فرانكي لمنعطفٍ حاد قبل أن تجد نفسها داخل غابات فيتنام حيث يتردد صدى صوت مهبط الطائرات العمودية، محاطة بالجنود الشباب المشرفين على الموت ممن يكتبون رسائلهم الأخيرة إلى أحبائهم. تدرك حينها أنها كامرأة شابة بريئة وعديمة الخبرة، ليست سوى سمكة أسيرة زجاجة ملقاةٍ في محيط خطير يعج بأسماك القرش.
وفي غضون فترة قصيرة من الزمن، تصاب بالذعر والخدر والإرهاق من مشاهد الموت وتمزق أجساد الجنود والضحايا المدنيين على حد سواء.. تقترب فرانكي من الانهيار، وتكاد تغرق بالحزن لولا صديقتاها (بارب وإيثيل) وما قدمتاه من الدعم العاطفي لمنعها من الاستسلام.
رحلة كفاح
رحلة الكفاح الممتدة لعشرين عاماً، مقامرةٌ بالحياة والموت والأمل والخيانة.. أما الحرب فما كانت سوى البداية لفرانكي وأصدقائها المخضرمين، لأن المعركة الحقيقية اتقدت بمجرد عودتها إلى وطنها أمريكا المتغيرة والمنقسمة، إلى المتظاهرين الغاضبين، وإلى بلد يريد أن يمسح ذاكرة فيتنام، وعلى الرغم من تضحياتها لم يتمّ الاعتراف بفرانكي كبطلة حرب مثلها مثل بقية الجنود من الرجال، وهكذا أكرهت على النسيان والاندماج بالمجتمع لاستئناف حياة ما قبل الحرب. وقضاء الليالي مكافحة كوابيسها واضطراب ما بعد الصدمة والخيبة بأنها ليست الفتاة الفخورة المثالية التي أرادتها عائلتها، ولن تكون أبداً.
لحبّ نقطة البداية والنهاية في الحياة أما الرحلة فكل ما بينهما
رحلة متهورة
فالرحلة المتهورة إلى البطولة ما وهبت فرانكي إلا الخسائر العظيمة، والمعارك مع الإدمان، والغضب والاستياء والشعور بقلة التقدير والاحترام.. فهل ستتغلب المرأة على شياطينها الداخلية؟ هل ستتعلم كيف تتعافى من آلامها وتسامح من آذوها؟ هل ستتقبل عيوبها، وتواجه مخاوفها؟ أم ستجد السلام الذي تبحث عنه؟
كنا نثق فيما علمنا إياه أباؤنا عن الصواب والخطأ، الخير والشر، الأسطورة الأمريكية عن المساواة والعدالة والشرف. أتساءل إن كان أي جيل سيؤمن بذلك مجدداً، سيقول الناس إن الحرب دمرت حياتنا وكشفت الكذب الجميل الذي تعلمناه. على حق كانوا أم على خطأ، من الصعب التطلع بوضوحٍ لعالم غاضب ومنقسم دون أن يتم خداعك.
حكاية كل النساء
لا تروي رواية “النساء” مغامرات امرأة التحقت بالحرب فحسب، بل حكاية كل النساء اللواتي كابدن الأذى في سبيل الآخرين، نساء غالباً ما يتم نسيان تضحياتهن والتزامهن ببلادهن.. تعد رواية النساء من أندر الروايات التي تناولت عصر الستينيات المضطرب المتغير في أمريكا، وتقدم صورة وثيقة عن امرأة بلغت سن الرشد في زمن المخاطر.. حكاية ملحمية لأمة قسمتها الحرب وحطمتها السياسة، وجيل مدفوع بالأحلام تائه في ساحة المعركة. إنها رواية ذات بصيرة حاذقة عاطفية عميقة مع بطلة لا تُنسى تميزت بمثاليتها وشجاعتها.
النساء
يُشار إلى أن رواية”النساء” من تأليف الروائية المحترفة كريستين هانا، مؤلفة رواية “العندليب والأعاصير الأربع” الأكثر مبيعاً في نيويورك تايمز، وبعد قراءة ملاحظات الختامية للكاتبة لا ريب ستكتسب تقديراً أعمق لسنوات العمل الشاق التي بذلتها في خلق هذه الشخصيات الحية وصياغة أوصاف واقعية لمناطق الحرب، في رحلة لا تُنسى..