لا مفرّ من هدنة بداية، ثمّ لا مفرّ من تمديد؛ قد يطول أو قد يقصر، لكن تمديد هدنة غزة أمرٌ واقع وحاجة ملحة أمريكية كما هي صهيونية بالقدر المتساوي ذاته، وليس غريباً أن يعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أمله بالتمديد وهو ليس أملاً بل هو بفعل الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة الفلسطينية على مدى 52 يوماً من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، و 52 يوماً من عزيمة المقاومة التي لم تنكسر، بل مضت بعزم وإصرار ومراكمة الانتصارات في وجه التوحش الإسرائيلي المتنامي.
لم تأتِ المراهنة الأمريكية على إشعال حرب في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة كما ترغب واشنطن، بل على العكس تماماً اشتعل الإقليم ضد كيان الاحتلال، وباتت الجبهات واسعة ومفتوحة لجميع الاحتمالات إلى جانب كونها جبهات تهديد للمصالح الإسرائيلية والوجود الأمريكي في المنطقة، وبات من الضروري أمريكياً الوصول إلى صيغة سياسية واجِهتها كيان الاحتلال، وهذه الصيغة التي أتت على شكل هدنة قابلة للتمديد حتى تستطيع واشنطن ومعها الاحتلال إعادة ترتيب أوراقهما لجولة جديدة، ولاسيما أن الحديث عن إنهاء الحرب لم يتبلور بعد، أي لا أفق واضحاً حول ما بعد الهدنة والتمديد، وحديث الحرب يبقى قائماً.
تعمل واشنطن اليوم على جبهتين أو ناحيتين من خلال الدفع باتجاه تمديد الهدنة، وهو محاولة إفقاد المقاومة الفلسطينية ورقة الأسرى الإسرائيليين بحيث يتم تسليم جميع الأسرى الإسرائيليين للكيان ومن ثم معاودته إلى الوحشية ذاتها بعد أن يكون قد رمّم صورته الداخلية، وبالتالي تفريغ أي إنجاز وانتصار للمقاومة من مضمونه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تخفيف الضغط الداخلي والخارجي على واشنطن باعتبارها الداعم الرئيس للكيان الصهيوني.
واشنطن اليوم بحاجة للتهدئة لإعادة ترتيب أوراقها في أكثر من اتجاه، ليس فقط في المنطقة، بل وفي أوكرانيا أيضاً، وفي التنافس المتصاعد مع الصين والذي يحمل نذر حرب اقتصادية وسياسية في آنٍ معاً، وإذا حصرنا موضوع الحاجة للتهدئة في إطار المنطقة فإن واشنطن تعمد إلى تعزيز مواقعها مجدداً للخروج بمكاسب وتسويات شاملة على مقاسها في حال وقوع حرب إقليمية.
هبا علي أحمد
325 المشاركات