ملف «تشرين».. في اليوم المجيد

تشرين – رحيم هادي الشمخي:
في اليوم الـ6 من تشرين الأول 1973، توجه الرئيس المؤسس حافظ الأسد بكلمته إلى كل الأمة، جنوداً وشعوباً وقيادات، وإلى كل العالم، بأن هذه الحرب هي حرب وطن، وحرب قضية، وحرب دفاع، وحرب شرف وعزة، وحرب الإيمان بالله وبالنفس.. وهي حرب كل عربي بوجه العدوان والطغيان «ودعاة الحروب الذين لا تردعهم إلا الشعوب المؤمنة بحقها والمكافحة في سبيل حريتها ووجودها».. «بعزيمة صلبة وتصميم قاطع على أن يكون النصر حليفنا فيها».. لأننا «أصحاب حق وأصحاب قضية عادلة، والله ينصر من كان على حق.. وكان عن حقه ذائداً مدافعاً».
وكانت سورية كذلك، ولا تزال.. وكانت حرب تشرين التحريرية التي انطلقت ظهر ذلك اليوم ليصل مداها إلى الولايات المتحدة الأميركية التي وقفت عاجزة طيلة الأسبوع الأول منها، وهي تشاهد بأم عينها كيف أن سورية (ومعها مصر) حققتا المستحيل بتوجيه ضربتين صاعقتين لمن كانت تصفه بالكيان «الذي لا يقهر»، الأولى امتلاك قرار الحرب والتنفيذ… والثانية القدرة على تحقيق الانتصار.
في اليوم العاشر لحرب تشرين التحريرية (15/10/1973) كانت كلمة الرئيس المؤسس حافظ الأسد حول المعارك وبطولاتها، وما حققته في الميدان وعلى المستوى المعنوي. ففي هذه الحرب، يقول الرئيس المؤسس: «صححنا مفاهيم وأفكاراً كثيرة خاطئة كادت أن تترسخ في العالم الخارجي عن أمتنا، وأعدنا إلى الإنسان العربي ثقته بنفسه بعد أن ضمدنا جراح كرامته المطعونة وأثبتنا للعدو وللعالم كله أن شعبنا ليس تلك اللقمة السائغة التي توهم العدو أنه يسهل عليه ابتلاعها».. «أثبتنا أن الموت الزؤام ينتظر كل من يحاول أن يذلّ شعبنا أو يدنس أي شبر من أرضنا».
وفي يوم 26/6/1974 عندما رفع الرئيس المؤسس حافظ الأسد العلم السوري خفاقاً في سماء القنيطرة المحررة، أكد أن هذا التحرير أثبت أن «إرادة الشعب لا يمكن أن تقهر وأن الوطن فوق كل شيء» وأن «الجندي المقاتل، وليس السلاح، هو من يُقرر نتيجة الحرب»..«وكما كانت ملاحم تشرين والجولان قاسية، فستكون ملاحم المستقبل، بل يجب أن تكون أشد عنفاً وأكثر قسوة، فالمعركة معركة مصير، والعدو طامع بأرضنا، وأرضنا مقدسة، ولن نسمح بتدنيسها، وقد نذرنا أنفسنا وكل ما نملك للدفاع عنها».
وبالفعل كانت ملاحم المستقبل أشد عنفاً وأكثر قسوة، فلا يزال العدو يتربص بسورية وبالأمة، وبحرب تشرين التحريرية نفسها عاجزاً عن محو ما حققته من هزيمة مُذلة له.
والأسوأ بالنسبة لهذا العدو، تمثل في أن حرب تشرين التحريرية تحولت إلى ملهم ومنطلق ومسار، وإذا كنا استطعنا تحقيق حرب بمستوى حرب تشرين التحريرية فإننا لسنا عاجزين عن تحقيق حرب مماثلة، وهذا ما يقض مضاجع العدو الإسرائيلي وحليفته الأميركية، لذلك لا يمكن أن تمر أي ذكرى لهذه الحرب دون أن يستعيد العدو الإسرائيلي هزيمته فيها، ويعترف في كل مرة بالإرادة السورية (والعربية) التي هزمته، وببسالة الجندي السوري (والعربي) التي حطمت أسطورة «جيشه الذي لا يقهر».
في كل ذكرى تمتلئ صحف العدو الإسرائيلي بالمقالات والدراسات عن الهزيمة، ليكشف في كل ذكرى المزيد من خفاياها وأسرارها واعترافات المسؤولين الإسرائيليين آنذاك عن الرعب الذي شعروا به وهم يرون الجيشين السوري والمصري يعلنان الحرب معاً ويتقدمان في الميدان معاً، ويحطمان خطوط العدو (الدفاعية) معاً.. لقد عاش العدو الإسرائيلي الهزيمة بكل معانيها، هكذا اعترفت غولدا مائير رئيسة وزراء العدو آنذاك في كتابها «اعترافات غولدا مائير» حيث خصصت الفصل الـ14 منه لحرب تشرين التحريرية وعنونته بـ«الهزيمة» واصفة هذه الحرب بـ«الكارثة الساحقة» و«الكابوس» الذي عاشته بنفسها، والذي سيظل معها ويرافقها على الدوام.
هاتان الكلمتان الأخيرتان، أي «على الدوام» لم ترافقا غولدا مائير لوحدها فقط بل كل المسؤولين الإسرائيليين الذين عاشوا الهزيمة مثلها، وكل المسؤولين الإسرائيليين الذين تعاقبوا من بعدها وبعدهم حتى يومنا هذا.. هذا ما يقولونه بأنفسهم وما تقوله وسائل إعلامهم.
وعليه.. ففي كل ذكرى لحرب تشرين التحريرية يحق لسورية أن تزهو وتفتخر وهي التي ما زالت تخوض ملاحم البطولة والصمود، وتحقق الانتصارات فيها، بالعزيمة نفسها والإيمان نفسه بالله والنفس والوطن، وبأنها صاحبة حق، وصاحبة قضية عادلة، وأن «الله ينصر من كان على حق.. وكان عن حقه ذائداً مدافعاً».
كاتب وأكاديمي عراقي

 

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. حرب تشرين التحريرية تختم نصف قرن.. التاريخ أقرب إلى أن يُعيد نفسه.. ما زال الرهان على سورية ولكل مرحلة معاركها وميادينها وقادتها

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار