وزير الدفاع التركي وما تحت لسانه.. ماذا يعني أن الانسحاب «ليس أمراً يُمكن قبوله على الفور»؟

تشرين – مها سلطان:
لماذا يجب على تركيا أن تغادر سورية؟.. يسأل وزير الدفاع التركي يشار غولر. وكان ذلك في تصريحات جديدة له يوم الجمعة الماضي.
رغم أن الجواب واضح ومعروف للجميع، ولكن لا بأس أن نعيد تكراره مرات ومرات، زيادة في التوضيح والتأكيد.. وعلى فرض أن الوزير التركي لا يعرف، أو نسي، فوجب تذكيره.
تركيا تدخلت عسكرياً في سورية، من دون إخطار أو إذن أو موافقة أو طلب من الدولة السورية، وعملت على تثبيت هذا التدخل العسكري بقوات ونقاط ومراكز عسكرية على الأرض، وأيضاً بمجموعات إرهابية مسلحة (أبرزها ما يدعى هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً) لتكون رأس حربة بمواجهة الجيش السوري، فيما تتفرغ القوات التركية لتثبيت السيطرة على الأرض من دون أن تخسر أياً من أفرادها، ولتكون في غنى عن أي مواجهة مباشرة مع الجيش السوري.. والنتيجة كانت تمكنها من احتلال مناطق واسعة في شمال سورية، ولا يزال هذا الاحتلال قائماً.
في العرف الدولي، هذا اعتداء موصوف من دولة «هي تركيا» على دولة جارة ذات سيادة «هي سورية».. وهذا يعني أن تركيا هي قوة احتلال على الأرض السورية، بمعنى أن تركيا قوة مُعتدية مُحتلة، وهذا بتوصيف القوانين والمواثيق الدولية، أي الشرعية الدولية المتضمنة في ميثاق الأمم المتحدة الذي يرفض الاعتداء والاحتلال ويكفل لمن يقع تحت وطأتهما المقاومة، السياسية والعسكرية، لرد الاعتداء والاحتلال.

الآن، عندما تطالب سورية بانسحاب القوات التركية من أراضيها، وترفض التفاوض مع محتل، فهذا حق لها، وطني وسيادي، مكفول بقوة القوانين والمواثيق الدولية، وعندما تطلب تركيا التفاوض في سبيل التقارب، فعليها أولاً أن تنهي اعتداءها واحتلالها.
* *
ويضيف وزير الدفاع التركي: الجانب السوري لا يجد الوقت الكافي للتعامل مع المناطق التي أحللنا فيها الأمن والسلام.
أيضاً الرد على هذا الكلام واضح ومعروف، ولكن لا بأس أن نعيده مرات ومرات، زيادة في التوضيح والتأكيد.. ومنعاً لثبيت المغالطة التي يريد الوزير التركي تكريسها كحقيقة على الأرض، و بما ينزع وصمة المعتدي والمحتل عن بلاده.
أولاً، المناطق التي يذكرها الوزير التركي، هي مناطق تحتلها بلاده بالقوة العسكرية وبالمجموعات الإرهابية المسلحة، وهي ليست مناطق أحللت فيها الأمن والسلام، وهي فعلياً ليست سالمة ولا آمنة، بدليل أن أهلها يعيشون بصورة دائمة تحت وطأة الاشتباكات والمعارك، سواء بين المجموعات الإرهابية المسلحة التي نشرها المحتل التركي في هذه المناطق، أو بين هذه المجموعات والمجموعات المماثلة «المجاورة» التي نشرها المحتل الأميركي.
ثانياً، ما هو المقصود بعبارة «الوقت الكافي» ثم بكلمة «التعامل».. هل المقصود هنا تعامل سياسي أم اقتصادي أم ميداني؟
– إذا كان المقصود تعاملاً ميدانياً، فإن تركيا تحتل هذه المناطق وتتمسك باحتلالها وتعلنها مناطق تحت سيطرتها.. وإذا كان التعامل الميداني هو المقصد فهذا يعني أن تركيا أرادت (وتريد) من الدولة السورية أن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة معها، وهذا سيناريو من سلسلة سيناريوهات خبيثة وضعها المحتل التركي في سبيل تعميق حالة الانهيار في عموم سورية وعلى كل المستويات، لأن سورية في خضم ظروف الحرب الإرهابية المفروضة عليها، وفي ظل وجود المحتل الأميركي في الشرق، فإن تركيا بلا شك سعت على الدوام إلى مواجهة عسكرية مباشرة، ترى أنها ستكون هي الغالبة فيها.
– إذا كان المقصود تعاملاً سياسياً واقتصادياً (أو ثقافياً أو اجتماعياً أو من أي نوع كان) فإننا سنعود دائماً إلى مسألة أن هذه مناطق محتلة، ولا تستطيع أي دولة، وليس سورية فقط، أن تتعامل سياسياً واقتصادياً مع مناطق محتلة، فكيف إذا كان المحتل التركي يعمل على تتريك هذه المناطق لغة وهوية وثقافة، ويسعى إلى ربطها اقتصادياً به، في مخطط بعيد المدى هدفه البقاء في هذه المناطق تعويلاً على سيناريوهات مستقبلية قد تخدمه في هدف سلبها من سورية.
المسألة مسألة اعتداء واحتلال، وليست مسألة «وقت كافٍ للتعامل».. لتنسحب تركيا أولاً بقواتها ومجموعاتها المسلحة، وتترك مسألة الوقت للدولة السورية.
* *
أيضاً.. يقول وزير الدفاع التركي: إن الجانب السوري ليس لديه الوقت الكافي للتعامل «مع أولئك الذين يستخرجون ويبيعون نفط شعبهم».
والمقصود هنا الذين يسرقون النفط السوري، وهم المحتل الأميركي وأدواته على الأرض.. لكن الوزير التركي يمتنع عن تسمية الأشياء بمسمياتها لأن:
– في ذلك إدانة لتركيا باعتبارها أحد المشترين الرئيسين لهذا النفط المسروق ومن السارقين مباشرة.

– ولأن المحتل التركي يريد أن يكون الاتهام بالسرقة مُنصبّاً على ما يسميه الإرهاب الكردي «قسد ومن يرتبط بها» وليس على المحتل الأميركي الذي هو الأساس في اللصوصية النفطية وسرقة خيرات الشعب السوري التي لا تتوقف عند النفط فقط بل تتجاوزها إلى المحاصيل الزراعية الإستراتيجية وعلى رأسها القمح.
الآن، كيف يريد الوزير التركي أن تتعامل الدولة السورية «مع الذين يستخرجون النفط ويبيعونه».. هل يريدها أن تتعامل مباشرة مع المحتل الأميركي أو مع أدواته؟
على الأغلب يقصد الأدوات، أي ميليشيا قسد ومن يرتبط بها، هذه الأدوات التي «يتعامل» معها المحتل التركي نفسه منذ سنوات ويعجز عن هزيمتها لأنها ببساطة تحت حماية المحتل الأميركي الذي لا يَجرؤ التركي على التعامل معه أي الدخول في مواجهة عسكرية معه حسب ما يُفترَض، باعتبار أن التعامل الوحيد هنا هو التعامل العسكري للقضاء على السرقة والسارقين «وبالنسبة للتركي للقضاء على ما يسميه الإرهاب الكردي».
أليس هو الحال نفسه؟
لنسأل التركي: لماذا لم يستطع حتى الآن هزيمة ما يسميه الإرهاب الكردي الذي يهدد أمنه وأمن مواطنيه كما يقول، ولماذا لا يتعامل مباشرة مع الأميركي الذي يدعم هذا الإرهاب ويعمل على تأسيس دولة له؟
لنسأل أيضاً، لو أن أي دولة أخرى، غير سورية، وجدت نفسها في الوضع نفسه مع الأميركي، هل كانت ستدخل في مواجهة عسكرية مباشرة معه؟
ولنا هنا أمثلة كثيرة.
كثير من الدول في المنطقة وخارجها، فرضت الولايات المتحدة عليها حرباً أو غزواً أو عدواناً أو احتلالاً، هل دخلت في مواجهة عسكرية مباشرة معها، هل أي من الدول المتضررة (وأحياناً بصورة كارثية) من ذلك، دخلت في مواجهة عسكرية معها؟
الجواب البديهي: لا.
والجميع يعرف لماذا لا؟
ولكن دائماً هناك وسائل وأدوات للمقاومة والمواجهة لتحقيق هزيمة المحتل المعتدي، وليس بالضرورة أن تكون مواجهة عسكرية مباشرة موازين القوة فيها مختلة بصورة كبيرة جداً لمصلحة المحتل.

* *

الرسائل التركية المتناقضة في تصريحات يشار غولر.. وسؤاله: لماذا علينا مغادرة سورية؟.. والرد واضح بسيط: هذه أرضنا وأنتم عليها قوة اعتداء واحتلال

الآن، لنراكم ما سبق جانباً (كما نفعل عادة لحين استدعائه وقت الحاجة) وننتقل إلى جانب آخر من تصريحات وزير الدفاع التركي، فيه بعض الاختلاف، أو لنقل تغييراً من نوع ما. وفي قراءة المحللين والمراقبين هذا التغيير يمكن تسميته مرونة أو بعض مرونة ربما طرأت على الموقف التركي حيال مطلب سورية الأساسي وهو الانسحاب أولاً.
الوزير التركي أبدى استعداد بلاده لاستئناف الحوار مع روسيا وإيران في إطار مسار التقارب مع سورية، وعلى مستوى وزراء الدفاع، ولكن من دون أن يسمي ذلك استئنافاً لمسار اجتماعات الرباعية التي توقفت فعلياً منذ نحو ثلاثة أشهر على خلفية «برود» أصاب العلاقات الروسية- التركية بسبب مواقف النظام التركي والتفافه أكثر من مرة على مواقفه المعلنة.
إبداء الاستعداد لاستئناف التفاوض ليس تغييراً فعلياً، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن تركيا هي من طلب التقارب، وهي من يريد استئناف التفاوض، وهي وإن كانت تكرر رفض الانسحاب إلا أنها تراهن في كل مرة على عامل الوقت في سبيل تغيير موقف الدولة السورية ليكون الانسحاب ضمن التفاوض وليس سابقاً له.
التغيير الذي يتحدث عنه المراقبون يتركز في قول وزير الدفاع التركي إن «مطالب الجانب السوري- أي الانسحاب- ليست شيئاً يمكن قبوله على الفور». وفي الجزئية الأخيرة ربما رسالة من نوع ما قرأها المراقبون على أنها تغيير في الموقف التركي، بمعنى أن عبارة «على الفور» تعني أن تركيا ستقبل بالانسحاب في وقت لاحق، أو أن تركيا ربما تقدم تعهداً مُسبقاً بالانسحاب بضمانة روسية إيرانية.. وبعدها يبدأ التفاوض. ولكن من يضمن النظام التركي وتعهداته وهو الشهير باستداراته ومناوراته حتى لو كان الضامنون حلفاء له كروسيا وإيران.
هناك من يربط هذا «التغيير المفترض» بالمبادرة الإيرانية التي أعلنها مؤخراً وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وتتضمن انسحاباً تركياً مقابل انتشار الجيش السوري على الحدود، والضمانة روسية- إيرانية.
صحيح أنه لم يكن هناك مواقف مُعلنة من الأطراف المعنية تجاه هذه المبادرة، إلا أن الإعلان عنها، كان لافتاً (باعتبارها ليست جديدة فعلياً، وكان يتم طرحها في الكواليس ولكن من دون إعلان رسمي). أما وقد تم هذا الإعلان فلا شك أن هناك قبولاً تركياً من نوع ما بها، وعلى هذا الأساس جاء تصريح وزير الدفاع التركي وبما معناه أن تركيا تقبل الانسحاب ولكن ليس على الفور.. وهذا ما اعتبره المراقبون مرونة من نوع ما في الموقف التركي.
وهناك من يربط الأمر بالاجتماع الأخير (قبل أسبوع من الآن) والذي جرى في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وضم بالتتابع كلاً من وزراء خارجية روسيا، تركيا، إيران، ثم المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون. علماً أن هذا الاجتماع لم يخرج بجديد، لا على مستوى التصريحات ولا على مستوى البيان الختامي، لكنه في الوقت ذاته كان اجتماعاً لافتاً، باعتباره لم يكن معلناً ولم يكن مُتوقعاً.

(ووصل الأمر بفريق من المراقبين إلى ربط التغيير المفترض في الموقف التركي بزيارة الرئيس الأسد إلى الصين).
ولكن إلى أي حد يُمكن البناء على قراءة المحللين والمراقبين، خصوصاً في ظل سياسة الالتفاف والمماطلة التي ينتهجها النظام التركي؟.. ألا تستغل تركيا عملية التفاوض وتطيل مسارها لكسب الوقت، واستثماراً لظروف إقليمية دولية متغيرة تعول عليها لتخدم أهدافها وأطماعها في سورية؟
الثابت أنه لا يمكن ضمان النظام التركي ولا مواقفه ولا نياته المُبيتة، وليس مثل الدولة السورية من يستطيع التعامل مع هذا النظام الذي خبرته بوجهه الحقيقي طوال سنوات الحرب الإرهابية على سورية.. التغيير الحقيقي أو بعض المرونة التي يتحدث عنها المراقبون معيارها الميدان فقط ومبتدؤها الانسحاب أولاً، بوثيقة خطية واضحة وصريحة وجدول زمني محدد وضامنين دوليين أممين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار