حتى لا يغلط المغالطون.. سماسرة يتاجرون في القضايا العادلة
تشرين- إدريس هاني:
ثمة مقاومة أخرى، وجب التذكير بها، حتى لا يغلط المغالطون وهي للضرورة.. وهي واحدة من عشرات المواقف.. مقاومة سياسة شراء الذمم.. ومنها:
في هذه اللقطة «الصورة»، وفي ذروة الربيع البزنطي، سفير لدولة كانت راعية للعدوان على سورية، وقناصل آخرون، الملفت هنا أنّ السفير إياه جاء ليعقد معي علاقة، علاقة من هذا النوع يزحف لها تجار الأزمات وسماسرة النّضال بالمراسلة، ربع ساعة وهو يقنعني بإعطائه رقم غرفتي ليبعث لي «بكارت فيزيت».. لم أفهم لكنني لم أعطه رقم الغرفة ولا منحته ما يريد، لقد أخبرني بأنه كان معجباً بمداخلتي، وهنا مكمن المفارقة كلها، لأن مداخلتي جاءت انتصاراً وطرحاً للقضية السورية في هذا المحفل، وهجاء لسياسة دولته التي تحرشت بسورية منذ البداية، سأدرك لعبة الأغلفة التي يسيل لها اللعاب، لعله ظنّ أنني من فصيلة أولئك الذين يستلمون الأغلفة، لا أخفي أنني كنت أشعر بملء حريتي، كم سيدفع لي هؤلاء، قسماً بكل ما تقدّس عندي، لشربة شاي أكرك عجم بالنوفرة، وجرعة ماء من ماء الفيجة، تعادل عندي كلّ هذه الآبار النفطية. ولكنني تعلمت من هذا ونظائره أموراً كثيرة:
– أنّ في هذا العالم يوجد سماسرة، يتاجرون في القضايا العادلة وأنّ هناك من يمارس النضال بمقابل.
-أن هناك من لا تحركه المبادئ وإنما المصالح، والنضال بمقدار الوصل التجاري..
– أنّ هناك سفراء مثل هذا احترمته لشيء واحد، أنّه حاضر ويشتغل لمصلحة بلده، وهو كان مهذّباً معي أكثر من البعض…
– أنّ هناك من يزايد عليك بالتموقف مع جبهات أخرى، ويجهل بأنّ ثمننا أغلى منه..
كان من الصعب أن أطيل المجاملة مع من يعادون سورية..لكن عشنا ورأينا من تحالفوا مع أدنى خصوم سورية وبثمن بخس..وهكذا بالنسبة لأطراف أخرى، والقصص لا تنتهي. أقول لذباب السمسرة: كنا وما زلنا أغلى منكم ثمناً، ويجب أن تشكرونا لأننا منحناكم موضوعاً للمقاتلة، ولا يؤلمنا شيء بقدر ما تؤلمنا فقط قلة الوفاء والمزايدات الفارغة.
– أنّ هناك من يعد نضالك تحصيلاً حاصلاً، بينما هو مكابدة وضرر يومي وتخريب مصالح.. قال مرة أحد المعاتيه تحرشاً بي: الدنيا ليست مبادئ فقط، هي مصالح أيضاً.. قبح الله شكله ومصالحه..
_ بعض من صيادي الجوائز، لما تحسسوا انتصار سورية، غيروا قناعهم، وباتوا في طليعة من يتظاهر بالتضامن مع بلد لطالما عانق خصومه، ولطالما انتظر سقوطه، ولكنهم يملكون ما يكفي من الوقاحة لقلب كل شيء.
إنّ اللحظة القصوى للشعور بجمال العدالة والحق، أن تدرك تعاقدك التاريخي مع الحقيقة، وتنسى وعثاء السفر وآفات الرحلة ووحشة الطريق…
كاتب من المغرب