صورٌ من دمشق…في أوّل نشاطٍ لِقسم التصوير الضوئي بعد تهديم مَبناه
تشرين-لبنى شاكر:
خمسة أشهرٍ مرّت، لكنّ تجاوز آثار العدوان الإسرائيلي على قلعة دمشق بما فيها من مرافق تعليمية وإدارية لم يكن سهلاً، رغم عودة طلاب المعهدين التقاني للفنون التطبيقية والتقاني المتوسط للآثار الموجودين فيها لمتابعة الدراسة خلال أسبوعٍ تقريباً بعد الهجوم، حسبما يقوله النحات غاندي خضر، مدير معهد الفنون التطبيقية، في حديثٍ إلى «تشرين»، ولهذا عدّ إقامة ورشة في قسم التصوير الضوئي تحدياً حقيقياً، ولاسيما أن مبانيه ومعداته تعرضت لأذيةٍ كبيرة.
الورشة الأولى بعد العدوان، ضمت عشرة من طلاب القسم وخريجيه، إضافة إلى أربعة من الهواة، كانت دمشق محور جولاتهم، بين الحارات القديمة وساروجا والمتحف الوطني، كما زار بعضهم الربوة والجامع الأموي، رفقة ثلاثة مصورين «جلال شيخو، يوسف بدوي، أنطوان مزاوي»، سعوا جميعهم لإظهار جماليات المكان وتفاصيله، مع التركيز على التكوين والتوازن والإضاءة المناسبة.
يُضيف خضر: «لم نكن متحمسين لإقامة معرضٍ لنتاج الورشة، لأن وضعنا في المعهد سيئ، المكان مهدم والبنية التحتية تحتاج إعادة تأهيل، لكن عندما اطلع أساتذة قسم التصوير على ما أنجزه المشاركون، في مئات الصور المتميزة، قرروا الاحتفاء بالمُنجز الإبداعي الذي فرض نفسه، واختاروا خمس لوحاتٍ لكل مُشارك، خضعت للتحكيم، ثم اختيرت منها اثنتان للعرض، وكانت الحصيلة معرضاً فنياً أقيم قبل أيام في المركز الثقافي في «أبو رمانة»، أيضاً منح المعهد جائزتين لأفضل صورتين، الأولى لزهير شرف، وهو طالبٌ في القسم، والثانية للهاوية سميحة عوض، وهي خريجة طب تغذية».
في المعرض حالةٌ فنيةٌ وتوثيقيةٌ، تحتفي بالمدينة بأساليب ورؤى مختلفة، اللافت فيها مُحاولات المصورين البحث عن جديد في مكانٍ التُقِطت له آلاف الصور ونُقِلت عنه لوحاتٌ لا حصر لها، فاجتهدوا في القبض على لحظاتٍ وجزئياتٍ تصحب المتفرج في جولةٍ بصرية، بما فيها من عناصر تدعوه للاستمتاع والتأمل، والتوقف عند ما اعتاد رؤيته فألِفه، كما في صورتي إسراء خالد، في الأولى ثنائية شرقية جميلة، لجزءٍ من بابٍ بنقوشٍ بسيطة، بموازاة جزءٍ من مرآةٍ قديمة، انعكس فيها خيال شجرةٍ ما، وفي الثانية عشرات البيوت على سفح جبل قاسيون، تبدو مختبئة بين الأشجار، وكأنّ في كل شيء دمشقي، أشياء لا تبحث عن الظهور.
في صور ماريا محمود، أتاح لنا التباين في شدة الضوء، توقّع الوقت الذي أُخذت فيه الصورة لثريا ضخمة في الجامع الأموي، بينما اهتمت في الصورة الثانية، بإبراز الزخارف الشهيرة على جدرانه، وفي كلتيهما إشارات إلى هوية معمارية وتزيينية، عُرِفت بها دمشق في أزمنة سابقة، وفي السياق ذاته، عادت مريم العزو أيضاً، نحو نمط الأبنية القديمة، بقناطرها وحجارتها الضخمة، بينما اهتمت كنانة الطحان بتدرّجٍ للمكان والضوء معاً، في صورة لقناطر متتالية، وفي أخرى قفلٌ قديم لبابٍ خشبي، تجتمع فيه تشكيلة لونية بِفعل الزمن.
في صورتي زهير شرف، إيحاءٌ بصمتٍ ومهابة، رغم الاختلاف بينهما، في الأولى سقفٌ تتزاحم فيه الشبابيك والزخارف، وفي الثانية باب في بناءٍ قديم، يلتقي عنده الضوء والعتم في زاويتين متقابلتين، أما في صورتي سميحة عوض، فمساحةٌ واسعةٌ لتفاصيل كنسيّة، تتدرج من الأعلى إلى الأسفل، ورجلٌ يمارس مهنة تبييض النحاس على الأغلب حيث تجتمع النار مع البشر.