فؤاد غازي.. روى بصوته رحلة ابن الريف السوري من «صف الفشك» إلى «تعب المشوار»
تشرين- سامر الشغري:
الفنان الراحل فؤاد غازي علامة فارقة في الغناء السوري المعاصر برمته، ليس في أغانيه فحسب، بل في المرحلة الاجتماعية والتاريخية التي عبّر عنها بصوته، ثم في التحولات التي عرفتها أغانيه لتعكس صدمة جيل بأكمله وتعبه من الحياة.
في إحدى حفلات هذا المطرب الذي غادر عالمنا قبل اثنتي عشرة سنة يسأل جمهوره، ماذا تريدوني أن أغني، فيأتيه الرد بصوت كهزيم الرعد من الحشد الحاضر: :«صف الفشك»، فيغنيها من فوره من دون أي مقدمة أو موال، وسط تفاعل الحضور وحماسهم الشديد.
هذه الحفلة التي تعود لمطلع ثمانينيات القرن الماضي تعكس مع جمهورها آنذاك، ذلك المناخ الذي هيمن تلك الحقبة وطبع الفن السوري، وكان فؤاد أحد أكبر ممثليه، كانت شريحة واسعة من أبناء الريف انتقلوا ليعيشوا – بحكم عملهم – في العاصمة، وكان فؤاد غازي بصوته الجبلي القادر وبأغانيه التي تغرف من التراث الريفي والجبلي خير من يمثلهم.
ولكن فؤاد غازي لم يكن فقط مطرب الموال الشعبي وملك العتابا، كما لقبه بذلك الراحل الكبير وديع الصافي، لقد زاوج في أغانيه وبذكاء شديد بين الروح الجبلية الريفية في ساحلنا السوري، واللهجة الشامية أو البيضاء التي غنى من خلالها أغانيه كلها، وكأنه سعى بذلك لأن يجذب إليه أكبر حشد من الناس، وألا يكون جمهوره فقط من أبناء الريف الوافدين إلى العاصمة.. ولأن الفنان ليس ابن بيئته فحسب، بل هو أيضاً نتاج مرحلة معينة، فإن أغاني فؤاد حملت في بداياتها روح التدفق والحماس، يكفي أن نقول إن أغنيته التي دفعته إلى عالم الشهرة والنجومية (لازرعلك بستان ورود)، كتبها الشاعر صالح يوسف أحد أبناء قواتنا المسلحة، ومثلها (صف الفشك ضيعته وما بقي تلاتة بجيبي).. التي تعبّر بحق عن نزعة العنفوان عند أبناء تلك الحقبة، وأيضاً (جدولاتك مجنونة) التي يقول في كلماتها: «جردتيني من سلاحي ترتاحي».. هذه الروح الوثابة والطموحات العالية التي جسدها غازي بصوته وأغانيه، أخذت حميتها تخف مع الأيام، لأن ضغوط الحياة ومحاولات التكيف معها ومع تبدلاتها جعلت ذلك العنفوان يتراجع، ليغني ملك العتابا على صورة عتابا للأيام التي سرقت الأحلام، وجعلت ابن الريف البسيط المتحمس يشعر بالانكسار والتراجع، وكان عمله الأقرب إلى قلبه:
(تعب المشوار من خطواتي وخطواتك.. تعب المشوار
ونسينا الدار زوار نسيناها جني يا دار)..