في ملتقى جبلة التشكيليّ «الفنون عتبة.. لتجاوز الآلام» خلق حالةً حميميّة بين الفنانين والحضور
تشرين – باسمة اسماعيل:
اختتم ملتقى جبلة التشكيلي « الفنون عتبة .. لتجاوز الآلام » أول أمس الذي أقامته وزارة الثقافة – مديرية الفنون الجميلة في الوزاة مع وزارة السياحة على مدرج جبلة الأثري، بمعرض للفنانين السبعة عشر المشاركين في الملتقى، تخلله حفل موسيقي لفرقة وكورال محمود العجان، قدموا أغاني من التراث اللاذقاني والتراث الساحلي الشعبي، بحضور وزيرة الثقافة ومدير الفنون الجميلة في الوزاة، ومدير الثقافة في اللاذقية وحضور رسمي وشعبي.
ضم المعرض /34/ لوحة، قدم الفنانون المشاركون في الملتقى موضوعات مختلفة بتقنيات ومدارس متنوعة.. تميز هذا الملتقى على مدار سبعة أيام بالحالة التفاعلية الوجدانية بين الفنانين، وما بين الفنانين، وهم في لحظة الإبداع، والجمهور الذي تابع الحالة الإبداعية للعمل الفني خطوة بخطوة، وطغى اللون الأزرق على أغلب اللوحات وكذلك اللون البني، حاكت اللوحات مفردات واقع مدينة جبلة،بـ ( بحرها و مينائها- وجبالها وسمائها ونوارسها..إلخ) وحتى واقعها العمراني وغيره بعد الزلزال.
يستحق الفرح
وزيرة الثقافة الدكتوره لبانة مشوح رحبت بالحضور، وأشارت في كلمتها إلى أصالة المكان مدرج جبلة الأثري، وأن هذا الجمهور الأصيل يستحق الفرح والسعادة.. ولفتت إلى أنها كانت تظن أن هذا الملتقى سيساعد الفنان في تجاوز آلامه، مما أصابه من جراء الزلزال كأهالي مدينته، لكنها تفاجأت بأن الفنانين هم مَن ساعدوا الآخرين لتجاوز عتبة الألم.. وأشارت إلى أن هذا الملتقى بداية الغيث لموسم طويل لمتذوقي الثقافة والفن، ووعدت بالمزيد .
مدير الثقافة في اللاذقية مجد صارم أكد أن الملتقى أدى الغاية المنشودة منه في رسم الابتسامة على وجوه الحضور، وقد أضفوا على الملتقى الكثير من السعادة والفرح.
عودة الألق
ومن جهته، مدير الفنون الجميلة في وزارة الثقافة الفنان وسيم عبد الحميد وأحد المشاركين في الملتقى، أوضح أن الهدف من الملتقى إعادة هذه المدينة، مدينة الحب والشعر والأدب والعطاء إلى ألقها، والوقوف إلى جانب المدينة بعد الزلزال.. وأضاف: لقاء المجتمع الأهلي مع الفنانين في لحظة إبداعهم، وتفاعلهم من خلال تساؤلاتهم حول اللوحات دليل يثبت أن الفنون عتبة لتجاوز الآلام، مبيناً أنه ستتبع هذا الملتقى ملتقيات لاحقة في محافظات (حلب- حماة- إدلب) لتجتمع اللوحات المنجزة في هذه المحافظات في معرض في دمشق يعود ريعه لمتضرري الزلزال في هذه المحافظات.. وعن مشاركته في الملتقى بيّن أن لوحتيه من وحي مدينة جبلة، استخدم فيهما الألوان الصاخبة لتعطي التفاؤل والأمل.
حرفية وجديّة
الناقد سعد القاسم ركز على أن الأعمال الفنية في الملتقى ذات مستوى جيد، أنجزت بحرفية وجدية، والأهم هو الحالة التفاعلية بين الفنانين والمجتمع الأهلي، وتفاعله من خلال المشاركة بالرسم وأهميتها خاصة بالنسبة للأطفال.. وتابع: إضافة إلى أهمية ملتقيات كهذه في كسر الخوف من دخول المعارض عند المتلقي، وكسر نخبوية الفن من خلال تقارب الجمهور مع الفنان وخلق علاقة عميقة تؤثر في المتلقي وتزرع بذرة داخله، وهذا ما رأيناه في ملتقى جبلة.
نواة لوعي جديد
الفنان بديع جحجاح أشار إلى أنه بعد كارثة الزلزال كان لابد من إيجاد نواة لوعي مختلف وجديد، من خلال تبني عدة ملتقيات بمحافظات متعددة، لأن الفنون عتبة ليست لتجاوز الآلام فحسب وإنما لبناء جسور مودة وإلهام وارتقاء لوطن مشترك جهة الحب والجمال والخير والحق.. وأضاف: في لوحتي رسمت في الأولى الجرف الصخري والصيادين، يمكن أن يراها البعض صورة عادية، لكن أحببت أن ألتقط الصبر في هذه المساحة الهائلة الحرة، وهذا البحر الساحر الذي يكتنز عوالم وأسراراً، وفي الثانية ثمة قارب غير مكتمل، أحلام غير مكتملة تنتظر وقتاً مختلفاً لتحقيقها.
العراقة والأصالة
الفنانة هيام سلمان أكدت أن الملتقى أتى في ظروف مناسبة جداً بعد الزلزال، والضغوط التي يعانيها أهالي مدينة جبلة نفسياً واقتصادياً واجتماعياً، والمكان له قيمة تاريخية مهمة جداً، هذا المكان ذو العراقة والأصالة أضفى على روح الفنانين وعلى إبداعهم.. وأضافت: أردت من خلال لوحتي، غروب الشمس على بحر جبلة والطبيعة الريفية الجميلة، التعبير عن التنوع والغنى الثقافي والاجتماعي في مدينة جبلة وريفها بتقنية الكولاج باستخدام بقايا القماش.. وتابعت: فوجئت بمقدار الشغف الموجود لدى أهالي جبلة المتعطشين للفن والثقافة، والأجواء الاحتفالية وحبهم للحياة الذي ظهر من خلال زياراتهم اليومية للملتقى.
إحساس جميل
الفنان علي مقوص أشار إلى أن الملتقى نوع من المشاركة الوجدانية للإنسان الذي تعرض لصدمة الزلازل، حالة لها بعد اجتماعي وإنساني.. وأضاف: إن أهمية المكان أضفت على الملتقى إحساساً جميلاً يعيدك للتاريخ الموغل في القدم، داعياً للتركيز والاهتمام بتكرار الملتقيات وإنشاء متاحف في كل مدينة، لأن هذا الأمر ينمي الذائقة البصرية والفنية لدى المتلقي.. وتابع: إن تأثير اللوحة بقيمتها البصرية التشكيلية وليس بفكرتها الإعلامية، لذلك أغلب اللوحات في الملتقى ليست لها علاقة بالحدث(الزلازل) مباشرة، بل هي حالة ثقافية بصرية معرفية يستمتع المتلقي بمشاهدتها، ويتعرف على خبرات وتجربة وإحساس الفنان.. وأضاف: في لوحتي حضرت الطبيعة والريف والفلاحات وطغى اللون الأزرق الذي أحبه، لون المشاعر واللطافة، لون البحر والسماء والهواء، وارتكزت على اللون البني في لوحتي الثانية لون التراب، الطبيعة.
بالحب والعطاء نتجاوز
أعمال الفنانين المشاركين تدعو في موضوعاتها للأمل وللنظر للمستقبل، وأن الإنسان قادر على تجاوز الألم والصعوبات بالحب والعطاء والعمل والتواصل، وعبروا عن أهمية المشاركة في الملتقيات.. وأجمع الفنانون على شكر القائمين على الملتقى، وزارة الثقافة ومديرية الفنون الجميلة ومديرية الثقافة، وبديع جحجاح صاحب غاليري ألف نون، وكل مَن ساهم في إنجاح هذا الملتقى المهم.
تجاوب
ومن جانبه أبدى من التقتهم « تشرين» من الجمهور سرورهم وفرحهم بهذا الملتقى، وما طرح فيه من أفكار بالأعمال الفنية وتجاوب الفنانين معهم، وتمنوا أن يصبح الملتقى تظاهرة سنوية دورية.
الجدير ذكره أن الفنانين السبعة عشر المشاركين كلهم من محافظة اللاذقية: علي مقوص – وسيم عبد الحميد – بديع جحجاح – هيام سلمان – عامر علي – كائد حيدر – سموقان – عدوية ديوب – عمار الشوا – باسل ابراهيم- رامي صابور – رؤى حسن – بسام ناصر – حسين صقور – رنا عثمان – يعرب أحمد – علي نزيهة.