لماذا يحسد أهلُ الصحافة صنّاعَ الدراما؟!
تشرين- سامر الشغري:
يعرض مسلسل (المكافأة) الذي صدر قبل أربعة وثلاثين عاماً من بطولة وإخراج الراحل طلحت حمدي، وبكثير من الجرأة والمكاشفة ظاهرة الغش في امتحان الشهادة الثانوية، إذ نجد (الأستاذ أحمد) يحاول أن يمنع ابن أحد المسؤولين من الغش، ويخاطبه بكثير من الحرقة:
– ارسب يا بني خير من أن تصبح طبيباً ويموت مريض بين يديك، أو مهندساً فيقع البناء الذي صممته على رؤوس ساكنيه.
وقبل هذا العمل بست سنوات ظهر مسلسل مصري اسمه (الامتحان)، من بطولة الراحلة سناء جميل التي تؤدي دور دكتورة في الجامعة يسرق أحدهم أسئلة امتحان مادتها، ويتورط في القضية أقرب المقربين لها.. تذكرت هذين العملين وأنا أتابع هذه الضجة التي أثارتها وسائل التواصل الاجتماعي حول ما قيل إنه تسريب لبعض أسئلة امتحان الشهادة الثانوية، واستخدام أجهزة الجوال داخل القاعات، وتغاضي بعض المراقبين عن حالات الغش والنقل، لأقارن بين الطرح المتأخر للإعلام زمن السوشيال ميديا لهذه الظاهرة الخطرة والدراما التي سبقته بأربعة عقودٍ.
إن أسبقية الدراما في هذا المضمار تؤكد على ما نردده نحن الصحفيين في غير مستوى، بأن الأعمال الدرامية والفنية عموماً تحظى بهامش واسع وبأريحية أكبر في طرح القضايا الحساسة والخطرة، مما هو متاح للإعلام بأنواعه المكتوبة والمسموعة والمرئية.
إن مسرحيات محمد الماغوط ودريد لحام، وبعدها دراما مرايا لياسر العظمة وفريق بقعة ضوء، انتقدت وبكثير من الجرأة ظواهر سياسية واجتماعية واقتصادية بعينها، ومراتٍ بأسلوب رمزي وفي مرات ثانية بطريقة مباشرة، في حين أن كثيراً من الصحفيين اشتكوا بأنهم ليس في وسعهم الكتابة عن كل هذه الإشكالات وبهذا الأسلوب الساخر.
والسؤال كان دائماً: لكن لماذا الهامش المتاح لدى الدراما أوسع مما هو مسموح به للصحافة في عالمنا العربي عموماً، هل لأن للدراما وظيفة منوطة بها تتعلق بما يسميه بعض النقاد ومختصو علم الاجتماع بالتنفيس؟!
لقد توجهت قبل مدة بسؤال إلى عدة فنانين ومخرجين، حول ما إذا كان النقد الذي تقدمه الدراما يقع في إطار التنفيس عن المشاهد؟! فجاءني الرد رافضاً ومستنكراً في بعض المرات، كالفنان دريد لحام الذي قال لي بالحرف: «أعتقد أنه لا يوجد أحد من الناس، وأتوقع بأنك واحد منهم، يرضى بأن يوصف بالبالون الذي ينتفخ بالهواء ثم يعود لحجمه بعد أن نقوم بتنفيسه».
ولكن علم النفس يؤكد أن هناك تخصصاً علاجياً اسمه (سايكودراما)، إذ يتم إيجاد حلول لمشكلات الشخص عبر تجسيد الواقع بشكل تمثيلي، وبمجرد أن يعرض عليه ذلك يزول عنه القلق والتوتر، ويشعر بأن مشكلته قد حلت.
إن نفي الشخص شيئاً لا يعني بالضرورة عدم وجوده، ولا يعنينا في نهاية المطاف إن كان تناول الظواهر السلبية في الفن نقداً أو يصبّ في إطار التنفيس، ولكن جل ما نطمح إليه ألا يشعر الصحفيون بالغيرة من الدراما لأنها تتناول ما لا يقدرون على طرحه، وبأن لديهم الحرية ذاتها في الكتابة وطرح جميع المشكلات، ولعل نشر هذا المقال في جريدة رسمية يصبّ ضمن هذا الإطار.