«صانعو المحتوى الرقمي» قادة رأي أم مجرد مؤثرين.. تساؤلات وشكوك حول منصات تقدم المادة الرديئة والسيئة وغير الأخلاقية
تشرين- ديما الخطيب:
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة غزت مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيها شاب أو فتاة في مقتبل العمر ليقدموا مادة مصورة قصيرة، يتحدثون فيها عن موضوع معين تاريخي ربما أو ثقافي أو ديني أو اجتماعي أو ساخر، ومعظم الأحيان يكون الفيديو فارغاً بلا أي محتوى.. أطلق هؤلاء على أنفسهم مصطلح “صانعو المحتوى الرقمي”، فمن هؤلاء؟.. وهل خضعوا لتدريبات إعلامية قبل الوقوف أمام الكاميرا ليشاهدهم الملايين؟ هل هم قادة الرأي الجدد؟ أم مجرد مؤثرين مؤقتين؟ وما دورهم في التأثير على فكر جيل الشباب وربما خياراتهم الحياتية؟ وما هو الأثر النفسي الذي يتركونه في المتلقّي؟ وأين دور وزارتي الإعلام والثقافة فيما يقدمونه؟!!
“تشرين” أجرت استطلاعاً تناولت فيه بعض الآراء حول هذه الظاهرة.
وسائل الإعلام فقدت دورها
الدكتور في كلية الإعلام في جامعة دمشق أحمد الشعراوي، حدثنا عن دور صانعي المحتوى في قيادة الرأي العام لدى شريحة الشباب، يقول: “حين نتحدث عن توجيه الرأي العام بشكل عام، نجد أن وسائل الإعلام المطبوعة فقدت دورها تقريباً، وكذلك التلفزيون والإذاعة تفقد جمهورها لمصلحة الانترنت، لذلك تلعب اليوم منصات التواصل الاجتماعي الدور الأكبر في توجيه الرأي العام، وهذا يدل على ضرورة وجود قادة رأي في هذه المواقع، واليوم بشكل عام لا يمكن السيطرة على شبكة الإنترنت، ولا تحديد مضامينها ولا اتجاه هذه المضامين ومدى قانونيته وأخلاقه، وبالتالي علينا أن نُوجد قادة رأي يتحلّون بالثقافة والوعي، يوجهون ويثقفون الرأي العام في مختلف المواقع”.
الشعراوي: إيجاد مؤثرين «بلوغرز» حقيقيين قادرين على أن يكونوا أساساً للوعي والفكر في المجتمع
ويتابع: “إذا لم تتم توعية الجمهور حيال ما يجب أن يتصفح وماذا يجب أن يترك ويهمل، ستكون هناك مرحلة قادمة صعبة ومعقدة في غياب قادة الرأي العام وانفراد هؤلاء المؤثرين في تقديم ما يشاؤون، والذي معظمه وفي أقصاه غير مفيد من الناحية الإيجابية وربما مضر ومضر جداً ومؤذٍ من ناحية طرح أفكار وقيم غريبة عن مجتمعاتنا قد تصل بجيل الشباب إلى طريق يودي بهم إلى عادات وتصرفات لا ترتبط بواقعنا ومجتمعاتنا بصلة، وبالتالي الوصول إلى تركيبة جديدة للمجتمع، وللأسف يتحكم بذلك من يسمون أنفسهم “بلوغرز” والبلوغرز هو مدوّن وموثق للتاريخ ومن يجب أن يقدم العلم والمعرفة والفائدة، واليوم إذا أردنا أن نحصي عدد الصفحات أو المواقع أو القنوات التي تقدم مضموناً ذا فائدة سنجد أن هناك صفحات قليلة جداً تلك التي تقدم العلم والفائدة، وفي المقابل نجد كماً كبير جداً من المنصات التي تقدم المادة الرديئة والسيئة وغير الأخلاقية”..
مؤثر ومؤهل ثقافياً
وعن سؤالنا كيف نصنع قادة رأي و صانع محتوى مثقفاً وقادراً على التأثير الإيجابي في المجتمع يجيب د.الشعراوي: “من خلال عملية عكسية، عبر التوجه إلى الجمهور بشكل عام، وتوعيته وتحصينه ضد المادة الرديئة، وتوجيهه لتصفح المواد الجيدة وذات المحتوى الحقيقي، وهذا بحاجة إلى جهدٍ كبير جداً وممنهج ومبرمج، لأن ثقافة المجتمع إذا انحدرت ستحصل كارثة، ولذلك يجب أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم، وبالدرجة الأولى المثقفون في مجتمعنا، لتوجيه وتوعية الرأي العام وتقديم المادة الغنية بالفائدة والتي تطرد المادة الرديئة من خلال إيجاد مؤثرين “بلوغرز” حقيقيين قادرين أن يكونوا أساساً للوعي والفكر في هذا المجتمع”..
مهنّا: هناك انتماءات جديدة تشبه الوجبات الجاهزة
وعن الحل الذي يراه الشعراوي واجباً حتمياً يقول: “نحتاج اليوم إلى مهرة في صناعة المحتوى، وليس أي محتوى، إذ لا يكفي اليوم أن نمتلك الفكر والوعي بل يجب أن نصل إلى طريقة توصيل هذا الفكرة أي الأداة، وهي اللغة الصحيحة والسليمة التي تستخدم لنقل المعلومات، وبالتالي يجب أن يكون لدينا فكر إعلامي حقيقي عبر الإنترنت، يقوده فريق تدويني مثقف واعٍ يقدم محتوى حقيقياً مليئاً بالفائدة والثقافة للمتلقي، وبطريقة تقديم صحيحة من خلال النص أو الصوت أو الصورة.”..
ويختم د.الشعراوي:” نحتاج صانع محتوى مؤهلاً بشكل جيد يمتلك قدرات عالية وفكراً حضارياً ومثقفاً ومحترماً وعالي المستوى وأدوات ذكية، ومن دون ذلك نحن ننحدر باتجاه الإسفاف والانحطاط الفكري وما يسمى بثقافة الاضمحلال التي تتحدث عن موضوعات ليس لها فائدة في أحسن الأحوال، وقد يكون لها أثر تدميري على الأخلاق والقيم والثقافة من خلال دفع المتلقي لأن ينحدر بفكره وعقله وأخلاقه”..
غياب الهويات الكبرى
الطبيب في علم النفس د.رفيف مهنّا يرى أننا نعاني غياب الهويات الكبرى كالهوية الوطنية والدينية وحتى الجنسية: “نقف اليوم أمام بحث حثيث للجميع -وليس فقط جيل الشباب- عن هويات جديدة سهلة وقابلة للتبدل، ورفض عميق للهويات الثابتة، لذلك صارت هناك انتماءات جديدة تشبه الوجبات الجاهزة، كأن أتعلق اليوم بشخص على المنصات الإلكترونية يقول كلاماً جذاباً وبعد فترة أغيره، وحسب وقتي وعمري وطبيعتي اختار الأفكار والهويات بما يناسبني كما اختار من السوق أي وجبة سريعة حتى وإن لم تكن مفيدة بل ربما تكون مضرة، اليوم نحن أمام أزمة انفتاح كامل أمام سوق الهويات والانتماءات، ستجعل أي شخص يقدم أي شيء مهما كان سطحياً، يجد له جمهوراً، فنحن نذهب باتجاه تسطيح أي شيء، وجعله بلا جذور، والسبب أن العالم اليوم يعيش على المتعة المباشرة”..
سلمان: لا بدّ من تدخل جاد من قبل وزارة الإعلام أولاً والثقافة ثانياً
بفرض تراخيص وموافقات شرطية على المضمون الذي سيقدم للجمهور
هل لترويج المحتوى الفارغ أثر سلبي على الملتقي؟ يجيب د.مهنا: “مع غياب القدرة والجهد والوقت والطاقة للبحث عن متع أعمق وأكثر فائدة، نتجه إلى قيام مجتمعات ذات انتماءات سطحية أكثر وأكثر وهو ما سيؤدي إلى المزيد من المشاكل النفسية أولها القلق، الذي ينبعث من شعور عدم الانتماء والوجود”..
ويتابع مهنا: “خوفي ليس كبيراً لأن البشرية لا بدّ أن تمرّ بمراحل من التسطح إلى أن تأتي حاجة متجددة للعمق والهوية والكيان الحقيقي”..
أين دور وزارتي الثقافة والإعلام؟!
الكاتب والناقد الصحفي لؤي سلمان يرى أنه لا يمكننا الحد من تأثير المحتوى الفارغ إلّا بإيقاف التكاثر المشوّه غير الحميد لما يطلق عليه صنّاع محتوى رقمي ومنصات إلكترونية ولا يمكن ذلك إلّا بتدخل جاد من قبل وزارة الإعلام أولاً والثقافة ثانياً بفرض تراخيص وموافقات شرطية على المضمون الذي سيقدم للجمهور وإلغاء الترخيص والملاحقة قانونياً وجزائياً لكل من لا يلتزم بما ينص عليه العقد المبرم والذي يمنح الترخيص على موجبه، وأجزم أن البعض من أصحاب هذه المنصات وصل الى مرحلة إهانة المواطن الضحية الذي كان موضوع السخرية من دون أي اعتبارات إنسانية أو وازع أخلاقي”..
ويضيف” من ناحية ثانية لا يمكننا اتهام تلك المنصات أنها المسؤول عن تردي ثقافة الجيل الجديد، فالموضوع يعود إلى قبل تواجد هذه المنصات ويمكن إلقاء اللوم على وزارة التربية التي تسمح للأطفال ومرحلة التعليم الأساسي باستخدام هذه الأجهزة بحجة مواضيع وأبحاث وغير ذلك،علماً أنه من المعروف أن المعلومة غير الموثقة ومصدرها ليس الكتاب يجب ألّا تُعتمد، وهذا السبب في تجهيل الأجيال وجعله يبتعد عن الكتاب ويستسهل الحصول على المعلومة من الشبكة”..
سلمان: لا يوجد أي دور للمثقف الحقيقي في هذه المرحلة ويمكننا عدّه مغيباً بشكل كامل فلا رأي لمن لا يُطاع
وعن دور المثقفين الحقيقيين في الحد من تأثير المحتويات الفارغة والسامة على جيل الشباب يعتقد سلمان أسفاً أنه: “لا يوجد أي دور للمثقف الحقيقي في هذه المرحلة ويمكننا عدّه مغيباً بشكل كامل فلا رأي لمن لا يُطاع. من ناحية ثانية لا توجد منابر يطل منها المثقف على الجمهور وخاصة الصحف الورقية والمجلات، وبسبب الأوضاع الاقتصادية وغياب التيار الكهربائي لم تعد البرامج الثقافية متابعة في حال تواجدها وهي ليست موجودة وفي حال وجدت هي بمنزلة استعراض لمقدمها بوقت قصير ومحاولة منه لكسب الشهرة والاستعراض على حساب المثقف، وبدل أن يبحث مع المثقف عن حلول حقيقية يحوِّل المثقف الى متهم، وأسوأ ما في تلك البرامج “التغابي” عن المسؤول الحقيقي وراء هذا التردّي والسؤال عنه مع كل موضوع وكأن المشاهدين في روضة أطفال! وللأسف مازال البحث جارياً عن ذلك “الكاسبر” الماهر الذي سينتشلنا من هذا الوضع”…
“ريتنغ”
يُذكر أن منصة رقمية متنوعة المحتوى بكادر إعلامي سوري متدرب تحمل عنوان “ريتينغ” أُطلقت منذ فترة ليست بالبعيدة على منصات التواصل الاجتماعي، بإدارة الدكتور مأمون علواني، وتهدف لإعادة تأسيس الفن الهادف وترسيخه في أعماق النفس البشرية، ويستخدم كادره في تقديم الأفكار الجديدة والمتميزة والعميقة لغة عربية فصحى وسليمة.