في حضرة مشاعل النور
تشرين – هبا علي أحمد:
6 أيار عيدُ الشهداء.. في كلّ عام، وفي هذا اليوم، كما غيره من الأعياد الوطنية، لابدّ لنا من أن نكتب، وأن نستحضر هذا العيد، و نستحضر روح كل شهيد ارتقى إلى علياء السماء في طريق دفاعه عن هذه الأرض وأبنائها.. وفي كل عام في هذه الذكرى تحديداً دون غيرها أقف عاجزةً عن الكتابة، إذ أشعر أن كل مفردات اللغة العربية على غناها وتنوعها ليس بإمكانها التعبير عن عظمة الشهداء، ولا تستطيع أحرفها الثمانية والعشرون أن تجمع كلمة أو كلمات تفي الشهداء حقهم، إذ كيف لنا أن نفي حق مَنْ يدرك أنّ طريقه المحتوم إما النصر وإما الشهادة، ولكنه يسلك هذه الطريق بصفته مشروعَ شهيدٍ قد لا يعود لرؤية أهله مجدداً.
من البدهي أن تتجدّد الأحزانُ في هذا اليوم، وربما أصبنا بحزنٍ دائم يرافقنا على أحبّة رحلوا.. رفاق دربٍ تقاسمنا وإياهم مقاعد الدراسة ورغيف الخبز، وسرنا في طرقات حفظت أسماءنا ووجوهنا.. أسرارنا وضحكاتنا.. واليوم باتوا ذكرى، لكنها حاضرة في يومياتنا..
يتجدّد الحزن، ولاسيما أننا في حالة حرب، وكل يوم نودّع شهيداً استبسل في الدفاع عن تراب الوطن، واستبسل في الدفاع عن حاضرنا و مستقبلنا، وفي حماية منجزات وتضحيات الأجداد الذين خاضوا معارك النضال والتحرير، وقدموا لنا الجلاء الأغّر.
لكن لا ضير بالمقابل في أن نُخبئ أحزاننا، وننطلق إلى إكمال المسير، فالشهداء لم يضحوا، ولم يقدموا أرواحهم قرباناً عن عبثٍ أو لأن القدر وضعهم في ساحات القتال وفي ظرف حرب، هم أدركوا حجم التحدّيات، وما ينتظر بلدنا من دون التضحيات والدفاع عنه، فقدموا أرواحهم قرباناً لنا، لحياة أفضل ولاستكمال بناء سورية الحديثة، وهذه أمانة في أعناقنا، علينا أن نعيها جيداً، ونحملها بصدق، ونؤدّيها بكل أمانة، أي إن الشهداء قبل استشهادهم كانوا أمام مسؤوليات جمّة، وأدّوها بكل شرف وتضحية وإخلاص، وعلينا اليوم أن نؤدي مسؤولياتنا على أكمل وجه بكل إخلاص وصدق، وعلينا، أن ننظر إلى الشهداء الأحياء.. إلى جروحهم وإصاباتهم وعزيمتهم على المضي قدماً رغم ما قاسوه، لتكون لنا دافعاً قوياً نحو البناء والحياة والنهوض، وعلينا أن ننظر إلى أمهات الشهداء اللواتي انتظرن فلذات أكبادهن ولم يعودوا، ورغم ذلك صبرن، ولم تلن عزيمتهن.
كرمى لأرواح الشهداء يجب إكمال المسير، وكرمى لأرواح الشهداء وتضحياتهم يجب الكتابة رغم العجز وعدم القدرة على التعبير، لكن يجب الكتابة لكي لا ننسى ولكي يبقوا حاضرين في يومياتنا، حاضرنا ومستقبلنا، ولكي نوثّق حجم التضحيات التي قدمت، وأنقذت البلد، وأنقذتنا من براثن التفتيت والتقسيم والشرذمة، ومن براثن فوضى لا نهاية لها.
كلُّ التقديس لأرواحكم الطاهرة الخالدة فينا أيّها الشهداء.. يا مشاعلَ النور التي لن تنطفئ أبداً.
اقرأ أيضاً:
السادس من أيار.. كفاحٌ بطوليٌ وذاكرة زاخرة بمعاني الانتصار والشهادة