دراما الخيبة
تشرين- بديع منير صنيج:
بعد انتهاء الموسم الدرامي نستطيع القول إن كل من يتكلم عن «عودة الدراما السورية» هو واهمٌ بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إلا إن كان ما يقصده هو عودتها إلى الوراء، أي تراجعها، فإن كانت «الدراما هي الحياة منقوصاً منها عنصر الملل» كما يُعرِّفها هيتشكوك، فإن ما قدمته المسلسلات الرمضانية هو على النقيض تماماً، إذ لم تكن هناك حياة بالمعنى الواسع للكلمة، لا من جهة عكس الواقع ولا توثيق لمرحلة تاريخية محددة، ولا حتى محاولة جادة لتصويرما نعيشه أو عشناه ولو بأسلوب ساخر، إضافة إلى ذلك، فإن الأحداث مملوءة بالحشو ومن دون سيرورة منطقية، والحوارات باهتة وموضوعة كيفما اتفق من دون أن تخدم تطور الخط الدرامي أو أن تكون كاشفة لدواخل الشخصيات، والحبكات باهتة وغير محبوكة على نار هادئة، وإنما ثمة اصطناع للتشويق، من خلال إخفاء معلومات عن الجمهور، وتقطيع مسار التصعيد من دون وجه حق، حيث لا يكون التعلُّق بالأحداث ومجرياتها، ولا بالشخصيات وأفعالها، بقدر الارتباط بوهم المتعة التي يخلقها صُنَّاع العمل.
هذه «التَّهتُّكات الدرامية»، إن صحت التسمية، وغيرها من هشاشة صناعة الأبطال، وتفاعلاتهم مع الأحداث، وعدم المنطقية في بنائهم النفسي والاجتماعي والتاريخي والاقتصادي، وضعنا في كثير مما شاهدناه أمام ما يمكن تسميته «دراما الخيبة» الخيبة من النصوص وأساليب حياكتها، وأيضاً من الأداء التمثيلي وشطحاته غير المبررة، وكذلك من الرؤية الإخراجية المبنية بمجملها على الخواء، حيث إن المائدة الدرامية الرمضانية باتت للأسف خالية من الدسم، ولا نستطيع القول إنها مُبَسْتَرَة، إذ لا عقامة في أي مرحلة من مراحل إنتاجها، خاصةً مع شركات لا تمتلك فكراً واضحاً، ولا رؤية ناضجة، ما يجعلها حتى الآن رهينة السوق، من دون أي قدرة على فرض ما تنتجه، ولاسيما إن كان من النخب العاشر أو التاسع عشر، ولذلك تراها تُفسِّر الماء بعد الجهد بالماء، كما يُقال، وتلجأ في معظم الأحيان إلى الفنتازيا الشامية وشبيهاتها الواقعية، متحلِّلةً من مسؤولياتها الجمّة، وكل ما له علاقة بالصناعة الحقيقية للمتعة.
وما يزيد الطين بلّة في هذا العام، هو الاستثمار الدرامي بالدماء، حيث لم يخلُ مسلسل منها، والأنكى أن الاستعراضات الدموية جاءت بأقصى درجات من العنف، لكن في الوقت ذاته بأردأ صورة يمكن أن تحققها الصَّنعة، سواء على صعيد الماكياج أو التصوير أو الأداء التمثيلي، حيث تشعر بأن دراما هذا العام بُنيَت على صَبغات حمراء مشتراة من البسطة، بلا أي تدوير حقيقي للمأساة التي تعيشها الشخصيات، من دون أن ننسى الغرائبية السائدة التي تُنقِذ البطل في اللحظات الأخيرة، وكأن معجزات الدراما السورية لا تتحقق إلا بتسخيف الحكاية والضحك على الجمهور بحكايات لا يقبلها عقل طفل، وحتى إن تعاطيت معها كأفلام كرتون فإنها تخسر الرهان أيضاً، إلا إن كانت موجهة للفئة العمرية بين ست وثماني سنوات على الأكثر.
كل هذا التخبط، لا ينفي بعض الملامح الجمالية العالية التي تحققت في هذا الموسم، وخاصةً على صعيد الصورة وحركة الكاميرا وأداء بعض الممثلين، وأحياناً في الأزياء والديكور والإضاءة، لكن تبقى النصوص الباهتة، بخيوط أحداثها المترهلة، وحبكاتها «الفالتة»، والبناء الضعيف لشخصياتها، هي بيضة القبان المكسورة التي تضعنا أمام دراما مشوهة، وغير قادرة على الوقوف باتزان فكيف بالتَّقدُّم ولو خطوة إلى الأمام؟! لذا نكرر القول إن عودة الدراما السورية هو وهم، علينا الاعتراف به أولاً، والتفكير جيداً بواقع هذه الصناعة الترفيهية بكل تفاصيلها، لأنه من دون ذلك من المؤكد أن الدراما السورية ستعود ليس فقط إلى الوراء وإنما ما وراء الوراء.