«أفئدتنا المفقودة» لـ «سيليست نغ» صرخةُ الكلمات المكبوتة
تشرين- حنان علي:
في مستقبل قريب، وفي أعقاب اضطرابات اقتصادية واجتماعية، استولت حكومة استبدادية على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، متسببة بتراجع الحريات المدنية وذلك بأمر من قادة البلاد الذين أثاروا المخاوف بشأن صعود الصين، فارضين أشد القوانين بما يخصّ السلوك الوطني، وحظر الكتب وإثارة الكراهية ضد الأشخاص من أصل آسيوي.
وسط القمع الزاحف في كامبريدج ، ماساتشوستس – التي كانت ذات يوم معقلًا للتسامح الليبرالي والتميز الأكاديمي – هنا في هذه المناخات نشأ نوح غاردنر، المعروف باسم بيرد ، الأمريكي الصيني الذي يبلغ من العمر 12 عاماً تحت رعاية والده إيثان الرجل اللطيف عاشق الكتب .. الأب مثله مثل أي شخص آخر تقريباً غير راغب في التحدي ، تم نقله من منصبه الأكاديمي إلى العمل كأمين لمكتبة الجامعة : «نحن نحب الكتب، وليست هناك حاجة لحرقها»، يقول الأب لبيرد:«ثمة طرق أكثر تحضراً؛ مزقها وأعد تدويرها لورق المراحيض. كم مؤخرة مسحت تلك الكتب لوقت طويل؟» . ما برحت الأرفف الفارغة في المكتبة دليل بيّن على كلامه.. لكن الأمور لم تكن بهذه البساطة بالنسبة لنوح – الذي يصر على تسمية نفسه باسم بيرد (الطائر)- النصف آسيوي من جهة والدته الغائبة مارجريت التي هجرت العائلة مذ كان في الثامنة من عمره، و يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها خائنة لنظام البلاد الجديد.
في أحد الأيام ، يتلقى بيرد خطاباً يحتوي على رسم غامض، وسرعان ما يسحله في مهمة للعثور على أمه، ستعيده رحلته إلى الحكايات الشعبية العديدة التي سكبتها في رأسه عندما كان طفلاً، «قصص عن محاربين وأميرات ، فتيات وفتيان فقراء شجعان ، وحوش وسحرة.. الأخ والأخت التائهين اللذين وجدا طريقهما إلى المنزل.. الفتاة التي أنقذت إخوانها البجع من السحر. الأساطير القديمة التي جعلت من العالم منطقياً.. لماذا أومأ عباد الشمس برأسه، ولماذا الصدى باقٍ ، ولماذا تدور العناكب» عبر صفوف شبكة سرية من أمناء المكتبات الأبطال، وصولاً إلى مدينة نيويورك ، يتعرف بيرد أخيراً على حقيقة ما حدث لأمه، وما يخبئه المستقبل لكليهما.
الهدوء الذي وسم الرواية كثيراً ما انفجر بأحداث عنف عرضية مرعبة حقاً ، كما هو الحال عندما نجد رجلاً يلكم امرأة صينية، ويطرحها أرضاً، ثم يركلها مراراً وتكراراً. أما السبب فهو اختلافها .. قام أولا بقتل كلبها الصغير ثم كسر ظهره كما يفعل المرء حين يسحق صرصوراً.. تأكيداً على القوة التعويضية للقصص الخيالية ما انفكت «أفئدتنا المفقودة» تأمل في قوة الكلمات واستفهام العميق عن أرفف مكتبة السيد جاردنر الخاوية من الكتب، الكتب التي «تعرض الشباب لأفكار خطيرة».. في عوالم أخلاقية لا لبس فيها تختار مؤلفة «أفئدتنا المفقودة» أسلوباً غنائياً لإلقاء الضوء على موضوعاته الرئيسة: الاضطهاد العنصري ، والأمومة ، قوة الحكايات الشعبية والأساطير بالكاد يقطن بيئتها نصف «دزينة» من الشخصيات.
«أفئدتنا المفقودة» عبارة منقوشة على لافتات حملت إحداها فتاة سوداء قتلت بالرصاص في تجمع مناهض لقانون البلاد الجديد، قصيدة الأم مارجريت التي أمست أخيراً صرخة حاشدة .
سيليست نغ روائية أمريكية من أصل صيني، وهي المؤلفة الأكثر مبيعاً في نيويورك تايمز، صدر لها «كل شيء لم أخبرك به مطلقاً» و «حرائق صغيرة في كل مكان». حصلت نغ على زمالات من الصندوق الوطني للفنون ومؤسسة غوغنهايم ، وقد نُشرت أعمالها في أكثر من ثلاثين لغة.