المتابع لواقع القطاع العام من جوانبه المختلفة” الاقتصادي منها والخدمي” يدرك حجم الأثر الكبير الذي تركته سنوات الحرب، ومفردات الحصار والعقوبات الاقتصادية التي نالت من المكونات الداعمة للاقتصاد الوطني ، لكن الأثر السلبي الذي يتجاوز حدود كل ما ذكرناه، هو المكون الإداري الذي فقد معظم خبراته الوظيفية وكفاءاته العلمية، والتي أصبحت الشغل الشاغل في أيامنا هذه على كل المستويات من أجل الحفاظ عليها والعمل على إعادة المهاجر منها, واستثمار المتوافر منها بطرق تسمح
بإعادة ما خربه الإرهاب وأدواته على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, ومستويات أخرى طالها التدمير, قد تظهر لاحقاً وهذه معالجتها مرتبطة بتغير الظروف والأسباب, وفق ماهية الأجيال المتعاقبة وبنيتها الفكرية, وطريقة التعاطي مع المستجدات وخاصة المفرزات السلبية للأزمة, سواء المتعلق منها بالبنية الاجتماعية والأخلاقية والنفسية, وقبل ذلك الحالة الاقتصادية والخدمية التي يبنى عليها كل ما ذكرناه..!
وهذا يستدعي “بالضرورة القصوى” القوى المحركة للحالة الاقتصادية والتي أهمها (المكون البشري) الذي أخذ بعداً سلبياً شكل بمجمله عامل ضغط على هيكلية الإدارة في القطاعات الحكومية لعدة أسباب منها ما يتعلق بظروف الأزمة، ومنها ما يتعلق بتراكمات وسلبيات الماضي وطريقة التعاطي مع مفردات هذا المكون..! ناهيك عن أسباب أخرى.
لعل الفراغ البشري الكبير الذي خلفته الحرب الكونية أهم أسبابها, والذي يحمل أشكالاً متعددة, أهمها الكادر الإداري والإنتاجي المتنوع في المؤهلات العلمية والخبرات، وهروب معظمها تحت مسميات مختلفة, وتعرض الكثيرين للتدمير الممنهج والخطف والقتل وكل أعمال التخريب التي طالت أهم مكون في المجتمع , وذلك لإفراغ أجهزة الحكومة من كوادرها وكفاءاتها وخبراتها التي نمت في حضن القطاع الحكومي لعقود مضت ..!
وبالتالي هذا التطور يقودنا إلى أمر في غاية الأهمية , يكمن في طريقة المعالجة والأسلوب الواجب اتباعه لترميم النقص , والاستفادة مما هو متوافر لدى الوزارات والجهات والهيئات الحكومية …
وهنا تعددت وجهات النظر وتنوعت, فالبعض وجد في إعادة الهيكلة خارطة طريق لإنجاز المهمة, وآخرون وجدوها بالتعيين وسياسة الاستقطاب هي الأجدى في المعالجة وغيرها من الآراء ..
إلا أن إعادة الهيكلة الخيار الأقرب, وأقصرها للمعالجة , لكن صورها لم تتجلَ بعد, ولم تظهر نتائج جيدة على أرض الواقع رغم النهج والسياسة التي اتبعتها التنمية الإدارية، لا من حيث المسابقات التي أجرتها لترميم نقص العمالة وخاصة المنتجة منها, ولا من حيث اعتماد المسار الزمني الذي اعتمدته مؤخراً، والذي يفضي “بالضرورة” خلال فترة من الزمن، الى إفراغ القطاع الحكومي من خبراته وقيادته في ظل حاجة ملحة لهذه الخبرات والاستفادة منها بطرق مختلفة بدلاً من إحالتها للتقاعد وهي في قمة العطاء..!
وهذه مسألة تحتاج لإعادة نظر وفق معايير الحاجة لها، وخاصة في القطاعات الإنتاجية التي تشهد حالات نقص كبيرة للخبرات والإدارات، بدليل أن هناك عدة مواقع إدارية يشغلها مدير واحد، إلى جانب نقص العمالة على خطوط الإنتاج، ومن لا يصدق عليه بمراجعة شركات الصناعة والتي هي أهم القطاعات وأكثرها معاناة ..!
فهل هذا وقت تطبيق المسار الزمني, ومسابقات معرقلة لتأمين عمالة الممكن ..؟!
Issa.samy68@gmail.com