مسرح الظل غياب عن أمسيات رمضان.. كركوز وعيواظ ينتظران خلف الستارة القماشية
تشرين:
كركوز وعواظ الحاضران الغائبان في أمسيات رمضان ..وبهدف الحفاظ عليهما من الاندثار ندعو الفعاليات الثقافية للمساهمة بعودتهما إلى المشهد الثقافي ولاسيما أن العاصمة دمشق احتفلت خلال السنوات الأخيرة بحدث فريد في مشهدها الثقافي، مع إدراج أول عنصر ثقافي لا مادي سوري على قائمة الصون العاجل في منظمة التربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، وهو عنصر مسرح خيال الظل الذي يتألف من دمى متحركة خلف ستارة قماشية، وتلعب فيه دور البطولة الشخصيتان التاريخيتان “كراكوز” و”عيواظ”.
مسرح الظل غاب في أمسيات رمضان هذا الموسم في دمشق وبهذه المناسبة ندعو الفعاليات الثقافية لإحياء مسرح خيال الظل وإعادة التعريف به وخاصة للأطفال الذين لم يحظوا بفرصة معاصرة هذه الثقافة من قبل، وإحياء هذا الفن وإعادة الروح لكل من كراكوز وعيواظ بعد أن كاد يلفهما النسيان.
من هما “كراكوز” و”عيواظ”؟
يتكون مسرح خيال الظل من مجموعة من الدمى المصنوعة من الجلود المجففة ذات الألوان المتباينة، والتي تتراوح أطوالها عادة بين 30 و50 سنتيمتراً، وتحرّك بعصي خشبية من وراء ستارة قماشية يسّلط عليها الضوء، ليرى الجمهور القابع أمام الستارة ظل الدمى المنعكس عليها، ولتتحول هذه الدمى لأبطال مسرحيات تناقش قضايا سياسية واجتماعية وتاريخية غالباً بطريقة فكاهية.
ويعرف الشخص الذي يحترف مهنة تحريك الدمى والنطق بالحوار الذي يدور بينها باسم “المخايل” أو “محرك الشخوص”، وعادة يكون فناناً محترفاً قادراً على التحكم بالشخصيات وتحريك أجزاء عديدة منها مع وجود مفاصل في يديها وقدميها، وأيضاً الحديث بلهجات مختلفة وحوارات ذات مواضيع متعددة.
تُرجع الروايات التاريخية مصدر مسرح خيال الظل إلى آسيا الوسطى، وعلى الأغلب الصين أو الهند، والتي شهدت أول هذه العروض بشكلها البدائي قبل الميلاد ببضع مئات من السنين. وفي العصر العباسي أي حوالي القرن الثاني عشر، انتقل هذا الفن للعالم العربي، وكانت شخصياته الأساسية دمى لها شكل حيوانات برأس بشري، كي تكون قادرة على النطق.
ومع بدايات القرن الخامس عشر دخلت شخصيات إنسانية لمسرح خيال الظل الذي كان آخذاً في الانتشار ضمن كثير من الأماكن ليتم ابتكار شخصيتي كراكوز وعيواظ ، حيث يعود أصل اسم “كراكوز” إلى “قرة كوز” أي العين السوداء، واسم “عيواظ” إلى “هاجي واظ”. واشتهرت هاتان الشخصيتان بصراعهما الأزلي خلال العروض التي يقدمانها، حيث يستمر كراكوز بوضع صديقه عيواظ في مواقف هزلية، ويضطر الأخير لتقبل مزاح ومقالب الصديق بروح مرحة.
ويحكى أن كلاً من كراكوز وعيواظ كانا على قيد الحياة يوماً ما، وكان يعملان كمهرجين لأحد السلاطين ولدى تفوههما بكلام بذيء أمام السلطان ذات يوم أمر بقطع رأسيهما، وبعد تنفيذ الحكم تراجع عن قراره وطالب بإحضار المهرجين ليمثلا في حضرته، فلم يكن أمام الجلاد المذعور من أوامر السلطان إلّا محاولة التحايل وصنع دميتين كبيرتين من الجلد على شكل كراكوز وعيواظ وتحريكهما وإقناع السلطان بأنهما يخشيان الظهور أمامه خجلاً، ويفضلان البقاء وراء الستارة التي تعكس ظلهما.
وانتقلت بعد ذلك حكاية الرجلين وطريقة صنعهما وتحريكهما إلى المقاهي الشعبية والأماكن العامة، وانتشرت مسرحيات كراكوز وعيواظ في أنحاء سورية، حيث تحوّلت لفن يعمل على إمتاع المشاهدين وأيضاً الترويح عنهم من خلال حكاية قصص تعكس واقع الناس وتقول ما لا يجرؤون على قوله في الحياة العادية، واتخذت شخصيتا كراكوز وعيواظ أشكالاً مختلفة في كل محافظة سورية.
ماذا يعني الإدراج على قائمة الصون العاجل؟
الكثير من العناصر الثقافية في دول العالم، سواء كانت مادية ملموسة أم لا مادية ومتناقلة بشكل شفوي، تتعرض وبشكل متزايد عاماً بعد آخر لخطر الإهمال والزوال والتدمير، نتيجة العديد من العوامل على رأسها العولمة والتحول الاجتماعي والافتقار للموارد اللازمة لحمايتها من التدهور.
ونظراً لأهمية التراث الثقافي غير المادي بوصفه بوتقة للتنوع الثقافي، ونتيجة ارتباط هذه العناصر بهوية الشعوب على اعتبار أنها تمثل الثقافة الموروثة من الأجداد، اعتمدت منظمة اليونسكو عام 2003 اتفاقية لصون التراث الثقافي غير المادي واحترامه والتوعية على الصعيد المحلي والوطني والدولي بأهميته وأهمية تقديره.
وتشجع هذه الاتفاقية الدول المصدقة عليها، وعددها اليوم أكثر من 160 دولة، على تكريس العناصر التي تكوّن هويتها الثقافية وحمايتها في وجه ما يهددها من أخطار، وأيضاً ضمان نقلها للأجيال القادمة ما يساهم في تعزيز الهوية والشعور بالانتماء. وتخضع العناصر المسجّلة في قائمة اليونسكو لعملية مراقبة مستمرة حيث تطالب الدول ذات العلاقة بتقديم تقارير دورية عن حالة تلك العناصر والتدابير المتخذة لحمايتها ومدى مساهمة المؤسسات والمنظمات والمجتمع في ذلك. وفي حال فشل الدولة بحماية أي عنصر من عناصرها الثقافية تعمد اليونسكو لإزالته عن اللائحة وتعدّ بأن عاقبة ذلك تقع على المجتمع الحاضن لتلك الثقافة والذي سيخسر إحدى ميزاته الثقافية التي تسهم بشكل أو بآخر في تحديد هويته.
“كراكوز وعواظ” أشهر شخصيتين في عالم مسرح الظل منذ القدم، كانتا ترويان الحكايا والنوادر عبر حوار شائق بينهما، ويجلس الناس في المقاهي في الزمن الماضي للتفرج والتسلية.
وتقوم فكرة مسرح الظل على استخدام دمى يدوية تتحرك خلف ستارة شفافة أو خلف شاشة داخل مسرح مظلم، ويعكس الضوء من وراء المسرح ظل الدمى على شاشة.
ونبعت أهمية مسرح “كركوز وعواظ” من كونه يتطرق إلى مواضيع اجتماعية ناقدة ولكن بأسلوب فكاهي ساخر، وتستخدم الشخصيتان في حوارهما أسلوب الشعر والنثر والغناء والموسيقا.
وتحدثت منظمة “يونيسكو” عن تراجع فن مسرح الظل ، منذ سنوات، خاصة بعد انتشار التكنولوجيا الحديثة والألواح الرقمية، مشيرة إلى أن عرضها أصبح مقتصراً على المهرجانات التراثية فقط، فضلاً عن وجود “مخايل واحد” في دمشق فقط، وهو الشخص الذي يحرك الدمى.