ما هي أولويات العُرب؟ 

 

ادريس هاني

سمة العقل السياسي العربي المعاصر أنّه يمتلك قدرة نادرة على جعل مستأخراته أولويات، ويجعل من مصالحه وولاءاته قيماً نضالية، يَحمَى وطيس مقارعاته فيما لا يلزم، وينخفض فيما يلزم، متى يرشد العقل السياسي العربي؟ سؤال يزداد التباساً، ليس بسبب الإهمال، بل بسبب تنامي أنماط التفكير الزّائف، التربية على الزيف.

ما هي سمات العقل السياسي العربي؟

لن أغامر على طريقة الجابري حينما وجد أسهل طريقة للقبض على الرشد العقلي، في اقتفاء طريق السياسة الشرعية والمقاصد التي لم تقم إلّا في المخيال الفقهائي الشواطبي، ثم ترنّحت تحت مقصلة إقصاء التحسين والتقبيح الذاتيين، ولكن عمليّاً، سكن العقل السياسي العربي منذ عقود مأوى العصبية التي أفقدته تحسّس مصالحه طبقاً لمباني العقلاء لا استحسانات أهل الغُلب والعصبية.

ما هي آفاق العقل السياسي العربي؟

انقراض جيل ونمط في التفكير، ورجّة كونية تنتهي بفعل النسيان، وحده الذي يوقف هدير مخرجات إعادة الإنتاج، ويضعنا أمام طفولتنا من جديد: مباشرة العالم بحدسنا الطرّي، بآمالنا البريئة، بتجربة شعورية جديدة تعفينا من لعنة العود الأبدي.

هل أنت متفائل؟

جدّا، لأنّني مدرك أنّ هناك مكراً؛ مكر الحركة الجوهرية، مكر التاريخ الذي يعني أنّ الالتفاف على منطق الأشياء، غالباً ما ينتهي بارتجاج كوني، لا يمكننا أن نفرض انحطاطناً على العالم، لأنّ نظام السببية يؤكد أنّنا سندفع استحقاقات استقالتنا الحضارية، التفاؤل ليس قضية إرادية؟ لطالما حاولت أن أتشاءم لكي أستقيل، لكنّ الأمل يفرض نفسه بقوة، هناك ما يمكن أن نسميه قدرنا التفاؤلي، وهو ما يعني التفاؤل بوصفه مسؤولية وليس انتشاء.

هل نقدنا للعُرب يقع في سياق النقد الفاشستي؟

إنه نقد يقدحه الأمل، فمازالت تفاؤليتنا بهذا العقل كبيرة. نقسو عليه قدر تفاؤليتنا. قسوة النّقد لا يعني الإسفاف والعدمية. وفي العدمية نميّز بين عدمية جادة وأخرى مرضية؛ العدمية الجادة، تنتهي إلى تفاؤل وتخدم أغراضه، بينما العدمية المرضية، هي جزء لا يتجّزأ من أزمة العقل.

هل العقل العربي مستقيل؟

نعم، مستقيل عن أسئلته الكبرى، قابل للاستدراج لنزاعات صغرى. أسئلة مزيفة، ورهانات تافهة، الفضاء العمومي يحبل بنقاش تافه، ذلك الذي يعدّه المثقفون المزيفون نقاشاً حيوياً، من هو المثقف يا ترى؟ إنّه ذلك الذي يكتسب المناعة ضدّ النّقاشات المزيّفة، قدر المثقف المزيف أن يظلّ هارباً ببضاعته المزجاة، بتفاهته، بأسئلته وأجوبته الغبية، حيث يصعب اكتشاف غبائها في فضاءات التكتوك وما شابه، فالهروب من النقاش العلمي إلى التّكتوكانية، هروب نحو التهريج، إنّنا نعيش معضلة المثقّف وأزمة الثقافة، وعلينا أن ندرك بأنّ المشكلة ليست في النقد الذي يقدمه هذا الرّهط، بل إنّ المشكلة اليوم في مفهوم المثقف نفسه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار