على أبواب الخروج من الأزمة.. الصناعيون أمام تحديات الانتقال من العقلية الاستهلاكية إلى الفكر الإنتاجي
تشرين- بادية الونوس:
بعد مضي أكثر من شهر على فاجعة الزلزال، وبالتوازي مع تقديم السلل والمساعدات الإغائية، بدءاً من العلاج الصحي وانتهاء بالدعم النفسي، نسأل عن دور الصناعيين، ما الذي يمنع بموازاة تقديم المعونات والسلل الغذائية العمل على إعادة تدوير الإنتاج وانعكاسها إيجاباً على المناطق المنكوبة، سواء من خلال منح أو حتى تقديم فرص عمل، شريطة أن تكون الأولوية فيها للعائلات التي فقدت أعمالها ومحالها ..إلخ؟
ما العقبات في أن يكون للصناعيين دور أكبر من تقديم سلل الإغاثة من مواد غذائية وحرامات وغيرها “على أهميتها” ، والانتقال للإنتاج واستقطاب فرص عمل لمن فقدوا أعمالهم ..؟
البعض من الصناعيين يدعون إلى تقديم المزيد من الإعفاءات والتسهيلات للنهوض بالاقتصاد وإنعاش الإنتاج . كما أن أهل الاختصاص يؤكدون ضرورة تقديم التسهيلات المالية والمصرفية التي تنعكس على الإنتاج، ما يسهم في الانتقال من العقلية الاستهلاكية إلى الفكر الإنتاجي.
مزيد من الإعفاءات والتسهيلات.. لإعادة النظر بتكاليف الإنتاج وتخفيض الأسعار بما يتماشى مع القدرة الشرائية
ووفق الصناعي تيسير دركلت «غرفة صناعة حلب» إن أي منطقة سورية تعرضت لكوارث أو دخلها الإرهاب فهي متضررة، وكذلك هي منطقة الشيخ نجار التي تعد جزءاً من المنطقة الاقتصادية التي دخلها الإرهاب عملياً، و حتى تنهض يجب إعفاؤها لمدة خمس سنوات ومنحها القروض اللازمة. إذاً المطلوب التركيز على التسهيلات وتقديم المزيد من الإعفاءات، لكن المشكلة أن العقلية اليوم لا تفكر إلّا بمنطق الجباية..!
700 منحة سكن
يؤكد الصناعي دركلت أهمية دور كل الصناعيين وكل شخص في هذه المحنة , إذ يقول: إنّ جزءاً من عملنا “كغرفة صناعة حلب ” هو الإغاثة، التي تشمل السلة والحرامات . بالإضافة إلى ذلك تم إطلاق مشروع منحة سكن، قدمنا نحو 700 منحة سكن حتى لشاغل العقار، وليس بالضرورة مالك المنزل, بمعنى استهدفنا شاغل العقار . لكن على أرض الواقع الحدث والخطط لا تتطابق على الأرض ، فالأرض منكوبة والناس تفترش الحدائق وعدد الأبنية المنهارة والمتصدعة يصل إلى نحو 300 بناء ومرشحة للازدياد إلى الألف.
وأضاف: مهما قُدّم من مساعدات ستبدو خجولة أمام هول الحدث، والنهوض يحتاج إمكانات بلد، لافتاً إلى أن المساعدة حالياً تبقى ضمن حدود التبرعات من الصناعيين من داخل سورية ومن صناعيين سوريين في مصر.
وعن فكرة إنشاء منازل مسبقة الصنع بيّن أن هذا يحتاج إلى أرض أولاً ومن ثم البنى التحتية من مياه وكهرباء ..إلخ.
«مقترحات»
لكن بالتأكيد ممكن أن يكون للصناعيين دور أبعد من تقديم السلة والمعونات المادية في إعادة عجلة الإنتاج وانعكاسه بالدرجة الأولى على تلك المناطق المنكوبة من خلال توجيه المشاريع لعكسها إيجاباً على تلك المناطق وتشغيل الأهالي، وهذا بالطبع سينعكس على الواقع ككل. يقترح الصناعي دركلت أنه يجب منح الصناعي قوانين والمزيد من الإعفاءات، ويدعو إلى أهمية إعادة النظر في الكثير من القرارات ، منها على سبيل المثال موضوع التحكم في ارتفاع الأسعار للمستوردات.! وكذلك الاسراع بتنفيذ القانون الذي عدّ منطقة الليرمون منطقة صناعية تنموية نتمنى أن نعلم إلى أين وصلت التعليمات التنفيذية التي لم تصدر حتى الآن؟!!
لم يخفِ الصناعي محمد الصباغ أهمية دور الصناعيين في هذه الظروف، ولاسيما بعد سنوات الحرب على سورية، ليأتي الزلزال المدمر الذي ضرب الكثير من المناطق، وحتى يقوم الصناعي بدور أكبر من إرسال المعونات عليه بالإنتاج، لكن من وجهة نظره هذا الأمر يحتاج إلى عدة عوامل تتطلب إعادة دراسة تكاليف الإنتاج للمنتج المحلي وتخفيض الأسعار بالحد الأدنى بما يتماشى مع القدرة الشرائية للمواطن، لأن الجميع يعلم أن الدخل هزيل لدينا، في حين منتجاتنا تكون بتكاليف مرتفعة، إضافة إلى العامل الأهم وهو ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة وعدم توافر المواد الأولية.
وأضاف الصباغ: يجب إعادة تقييم حالات العائلات المتضررة التي فقدت أعمالها في القطاع الخاص، في المحلات التجارية الصغيرة، وتأمين العمل لتلك العائلات في هذه الظروف القاسية، وبموازاة ذلك يفترض كصناعيين التركيز على دراسة شركات إعادة الإعمار وإعادة تنشيط حركة هذه المنشآت ودراسة أسعار المنتجات ..إلخ ، بما ينعكس على تخفيف الأعباء عن المناطق المنكوبة و على البلد ككل.
إعادة النظر بإعفاء المستوردات من الرسوم المطلوبة بمشاريع البناء
ولفت إلى أنه:” يوجد العديد من العوائق التي تعرقل سير عملنا والتي تتطلب إعادة النظر بها، منها ارتفاع أسعار مواد الإعمار كالإسمنت والبناء وإعادة النظر بإعفاء المستوردات من الرسوم، وخاصة المواد التي تدخل في المشاريع السكنية، بموازاة استقطاب الناس بالدخول لدائرة الإنتاج من خلال إتاحة فرص عمل والتركيز على الناس من العائلات المتضررة أو التي فقدت بيوتها أو أعمالها “.
أمام هذا الواقع ما هي المسؤوليات المطلوبة من تقديم المزايا والبيئة المناسبة للاستثمار؟
يؤكد الباحث الاقتصادي فاخر القربي أهمية دور الصناعيين، و خاصة أن المرحلة القادمة تجعلهم أمام مسؤوليات وطنية تسهم في تخفيف المعاناة عن أبناء الوطن، حيث أثبتوا أنهم على قدر المسؤولية الأخلاقية تجاه أبناء بلدهم، لكنهم ينتظرون غيث وخير القرارات الحكومية، الأكثر مرونة والأبعد عن الروتين والبيروقراطية، وهذا يجعل الحكومة أمام مسؤوليات جِسام لتجاوز آثار هذه الكوارث، ولاسيما من خلال خلق بيئة إدارية وقانونية ومالية تسهم في عملية الإعمار الاقتصادي والإنتاجي وذلك من خلال عدة محاور أهمها تطوير بعض القوانين التي تشكل في معظم الأحيان عائقاً أمام رفع الوتيرة الإنتاجية التي تفتقد في أغلبيتها للبيئة المشجعة على ذلك .
وضرورة تقديم التسهيلات المالية والمصرفية التي تضمن تأمين الحالة الفنية والتكنولوجيا و المواد الأولية لعملية الإنتاج ، ما يسهم في الانتقال من العقلية الاستهلاكية إلى الفكر الإنتاجي.
واعتماد سياسة تخفيض ضريبي وتحقيق عدالة ضريبية تسهم في خفض تكاليف الإنتاج، ما ينعكس إيجاباً على الأسعار في الأسواق المحلية من جهة ويخلق جواً تنافسياً من جهة أخرى، وتكون نتائج مؤكدة لكل هذه الجهود بتحقيق الآلاف من فرص العمل للمنكوبين من الأفعال الجيولوجية والإرهابية وجعل المواطن أمام بوصلة العمل الحقيقية بدلاً من السير وراء سراب المعونات الإغاثية والغذائية، فضلاً عن خلق حالة دعم واكتفاء اجتماعي وذاتي للمواطنين جميعاً ، ولاسيما أن المثل يقول: ” علّمه الصيد خيرٌ من أن تعطيه سمكة كل يوم”.